ولا يبقون في حيرة من ذلك، وإن كانوا يعملون بالخبر الآخر المرجوح لو بقي وحده بلا معارض. وإذا كان للعقلاء مثل هذا البناء العملي فإنه يستكشف منه رضى الشارع وإمضاؤه، على ما تقدم وجهه في خبر الواحد (1) والظواهر (2).
وإن قلنا: إن دليل الأمارة غير كاف ولابد من دليل جديد، فلا محالة يجب الاقتصار على المرجحات المنصوصة، إلا إذا استفدنا من أدلة الترجيح عموم الترجيح بكل مزية توجب أقربية الأمارة إلى الواقع، كما ذهب إليه الشيخ الأعظم، فإنه أكد في الرسائل على أن المستفاد من الأخبار أن المناط في الترجيح هو الأقربية إلى مطابقة الواقع في نظر الناظر في المتعارضين، من جهة أنه أقرب من دون مدخلية خصوصية سبب ومزية. وقد ناقش هذه الاستفادة صاحب الكفاية، فراجع (3).
ثانيا: إذا قلنا بأن القاعدة الأولية في المتعارضين هو " التخيير " فإن الترجيح على كل حال لا يحتاج إلى دليل جديد، فإن احتمال تعين الراجح كاف في لزوم الترجيح، لأ أنه يكون المورد من باب الدوران بين التعيين والتخيير، والعقل يحكم بعدم جواز تقديم المرجوح على الراجح، لا سيما في مقامنا، وذلك: لأ أنه بناء على القول بالتخيير يحصل العلم بأن الراجح منجز للواقع إما تعيينا وإما تخييرا، وكذلك هو معذر عند المخالفة للواقع. وأما المرجوح فلا يحرز كونه معذرا ولا يكون العمل به معذرا بالفعل لو كان مخالفا للواقع.
وعليه، فيجوز الاقتصار على العمل بالراجح بلا شك، لأ أنه معذر قطعا على كل حال، سواء وافق الواقع أم خالفه، ولا يجوز الاقتصار على العمل