يرى أن القاعدة تقتضي تقديم المرجح الصدوري على المرجح الجهتي.
وبنى ذلك على كون الخبر صادرا لبيان الحكم الواقعي لا لغرض آخر يتفرع على فرض صدوره حقيقة أو تعبدا، لأن جهة الصدور من شؤون الصادر، فما لا صدور له لا معنى للكلام عنه أنه صادر لبيان الحكم الواقعي أو لبيان غيره.
وعليه، فإذا كان الخبر الموافق للعامة مشهورا وكان الخبر الشاذ مخالفا لهم كان الترجيح للشهرة دون مخالفة الآخر للعامة، لأن مقتضى الحكم بحجية المشهور عدم حجية الشاذ، فلا معنى لحمله على بيان الحكم الواقع، ليحمل المشهور على التقية، إذ لا تعبد بصدور الشاذ حينئذ.
أقول: إن المسلم إنما هو تأخر رتبة الحكم بكون الخبر صادرا لبيان الواقع أو لغيره عن الحكم بصدوره حقيقة أو تعبدا وتوقف الأول على الثاني. ولكن ذلك غير المدعى، وهو توقف مرجح الأول على مرجح الثاني، فإنه ليس المسلم نفس المدعى ولا يلزمه.
أما أنه ليس نفسه فواضح لما قلناه: من أن المسلم هو توقف الأول على الثاني، وهو بالبديهة غير توقف مرجحه على مرجحه الذي هو المدعى.
وأما أنه لا يستلزمه فكذلك واضح، فإنه إذا تصورنا هناك خبرين متعارضين:
1 - مشهورا موافقا للعامة.
2 - شاذا مخالفا لهم.
فإن الترجيح للشاذ بالمخالفة إنما يتوقف على حجيته الاقتضائية الثابتة له في نفسه، لا على فعلية حجيته، ولا على عدم فعلية حجية المشهور في قباله، بل فعلية حجية الشاذ تنشأ من الترجيح له بالمخالفة ويترتب عليها حينئذ عدم فعلية حجية المشهور.