والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟
قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قلت: جعلت فداك! فإن وافقهم الخبران جميعا؟
قال: انظر إلى ما هم إليه أميل - حكامهم وقضاتهم - فيترك ويؤخذ بالآخر.
قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟
قال: إذا كان ذلك فأرجه (وفي بعض النسخ: فأرجئه) حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (1).
انتهت المقبولة.
أقول: من الواضح أن موردها التعارض بين الحاكمين، لا بين الراويين. ولكن لما كان الحكم والفتوى في الصدر الأول يقعان بنص الأحاديث، لا أنهما يقعان بتعبير من الحاكم أو المفتي - كالعصور المتأخرة استنباطا من الأحاديث - تعرضت هذه المقبولة للرواية والراوي لارتباط الرواية بالحكم. ومن هنا استدل بها على الترجيح للروايات المتعارضة.
غير أنه مع ذلك لا يجعلها شاهدا على ما نحن فيه. والسر في ذلك واضح، لأن اعتبار شئ في الراوي بما هو حاكم غير اعتباره فيه بما هو راو ومحدث. والمفهوم من المقبولة أن ترجيح الأعدل والأورع والأفقه إنما هو بما هو حاكم في مقام نفوذ حكمه، لا في مقام قبول روايته.