في الحقيقة من نوع الإجماع، بل هي أرقى أنواع الإجماع، لأ نهى إجماع عملي من العلماء وغيرهم، والإجماع في الفتوى إجماع قولي ومن العلماء خاصة.
والسيرة على نحوين: تارة يعلم فيها أنها كانت جارية في عصور المعصومين (عليهم السلام) حتى يكون المعصوم أحد العاملين بها أو يكون مقررا لها. واخرى لا يعلم ذلك أو يعلم حدوثها بعد عصورهم.
فإن كانت على النحو الأول: فلا شك في أنها حجة قطعية على موافقة الشارع، فتكون بنفسها دليلا على الحكم كالإجماع القولي الموجب للحدس القطعي برأي المعصوم. وبهذا تختلف (1) عن " سيرة العقلاء " فإنها إنما تكون حجة إذا ثبت من دليل آخر إمضاء الشارع لها ولو من طريق عدم ثبوت الردع من قبله، كما سبق.
وإن كانت على النحو الثاني: فلا نجد مجالا للاعتماد عليها في استكشاف موافقة المعصوم على نحو القطع واليقين، كما قلنا في الإجماع، وهي نوع منه. بل هي دون الإجماع القولي في ذلك، كما سيأتي وجهه.
قال الشيخ الأعظم في كتاب البيع في مبحث المعاطاة: وأما ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث (يقصد توريث ما يباع معاطاة) فهي كسائر سيراتهم الناشئة من المسامحة وقلة المبالاة في الدين مما لا يحصى في عباداتهم ومعاملاتهم، كما لا يخفى (2).
ومن الواضح أنه يعني من السيرة هذا النحو الثاني. والسر في عدم الاعتماد على هذا النحو من السيرة هو ما نعرف من أسلوب نشأة العادات عند البشر وتأثير العادات على عواطف الناس: