قالوا: إن اللفظ في هذا الحال غير ملتفت إليه إلا باللحاظ الآلي، كالناظر في المرآة، والملحوظ بالاستقلال هو المعنى، ومن المعلوم أن النظر الاستقلالي باللفظ إلى المعنى بحيث يكون اللفظ فانيا ووجها له لا يكون نظرا استقلاليا به إلى معنى آخر.
ولهذا الوجه عبارات تهول أبا الهول المصري، وجميعها مبني على فناء اللفظ، والذنب له فلا غفر الله له، فقد أوقع جمعا كثيرا من أرباب الأفهام العالية في هذا الوهم.
وأجمله في (الكفاية) وقال: «وبالجملة لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين إلا أن يكون اللاحظ أحول العينين» (1).
قلنا: كل ذلك أمكن أم لم يمكن أجنبي عن الإفهام الذي وضعت لأجله الألفاظ، فإرادة إفهام المعنيين تتحقق في النفس كما يتحقق فيها إفهام معنى واحد، فيجعل اللفظ بعلاقة الوضع مع القرينة متى احتاج إليها ذريعة إلى الإفهام.
واللحاظ نعرفه في مواضعه، ولا نعرف ما أتى به هنا ولا الجمع بين الآلي والاستقلالي.
فاللفظ آلة لإحضار معنيين مستقلين في ذهن السامع، إن شئت سمه لحاظا وإن شئت فاختر له أي لفظ شئت، ونحن لا ترهبنا الألفاظ إذا سلمت لنا المعاني، والمستعمل ملتفت إلى المعاني إجمالا كما أن الناظر في المرآة ملتفت إليها إجمالا قطعا وإلا لم يكن يتكلم ذاك ولا ينظر هذا.
نعم الالتفات إجمالي لا تفصيلي، ولا بدع فكثير من الأفعال الاختيارية تناط بالالتفات الإجمالي. هذا التنفس الذي به حياة الإنسان لا بد له منه في