وترى العلماء يلهجون في الاستدلال على ما يرومون بقولهم: لنا وجود المقتضي وعدم المانع، ولا يذكرون لبيان عدم المانع إلا بطلان ما يحتمل أن يكون مانعا، من غير أن يتكلفوا البرهان على انحصار المانع، ولا أن يكلفهم الخصم ذلك، ويقول: لعل هناك مانعا لا تعلمونه.
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام صاحبنا العلامة أدام الله أيامه، وقد وافق هذا الأستاذ وقال: «إذ الترديد والشك في تحقق شيء حاصل لبعض وغير حاصل للآخر وهذا ليس أمرا قابلا للنزاع، فانحصر الأمر في الثاني»: (1) الإمكان الوقوعي.
والأمر كما قال - سلمه الله - لو كانت الأصول العلمية، والقواعد المنطقية تدع للأفكار حريتها فيحتمل من شاء ما شاء، ولكن مقررات العلوم لا تزال تغلق للاحتمالات أبوابا، وتفتح غيرها، وكيف لا يكون قابلا للنزاع والمنازعات العلمية بين علماء العلوم قائمة على ذلك، وعليه يدور رحى الخلاف بينهم، فلا يزال يحتمل أحدهم شيئا ويمنعه آخر.
وليس المراد من الإمكان الاحتمالي كل احتمال صدر من أي محتمل، بل المراد الاحتمال العلمي الذي يرتضيه نقيد العلم، ولا تبهرجه يد البرهان بعد الفحص الكافي والتأمل التام، ولذا خصه رحمه الله بما بعد التأمل (2)، فهذا مراد الشيخ الأعظم، وهو موافق لما أراده الشيخ الرئيس من كلامه (3) المعروف.
وهذا كاف فيما يرومه في المقام من العمل بدليل التعبد به، من غير اضطرار إلى تأويله أو طرحه، وبه يثبت الإمكان الوقوعي، ولا يعقل بدونه العلم