ونعني بهذين الأصلين القاعدة التي يقتضي البناء على العدم في مواضع احتمال النقل، وعلى الاتحاد في مواضع احتمال الاختلاف بين الزمانين أو الطائفتين في الاصطلاح وأوضاع الألفاظ ومعانيها.
ومدرك القاعدة بناء العرف وطريقة العقلاء - قديما وحديثا - من لدن أبينا آدم إلى يومنا هذا، فإنهم لا يزالون يرتبون آثار العدم على ما احتمل فيه النقل أو الاختلاف والتغاير، وينزلون الاحتمال بعدم الاعتناء به منزلة عدمه، كما يرشد إليه أخذهم عن الكتب المؤلفة القديمة من السير والتواريخ وكتب الأخبار والأحاديث القدسية والتفاسير وغيرها، من الرسائل والقصائد والأشعار ونحوها، واستفادتهم المطالب من المراسيل والمكاتبات المرسولة من الطوائف المختلفة والدول المتبائنة، بحملهم الألفاظ المندرجة في الجميع - مفردة ومركبة، مادية وهيئة - على المعاني المتداولة لديهم، المتعارفة فيما بينهم من دون توقف ولا نكير ولا فحص، مع قيام احتمال تغير الاصطلاح واختلافه باختلاف الأوضاع والمعاني في الجميع، وحيث إن العلم الضروري حاصل بعدم كون هذه الطريقة حادثة، فربما تكشف عن تقرير المعصومين من الأنبياء سلفا إلى خلف والأئمة، خلفا عن سلف بالقياس إلى ألفاظ ما له تعلق بالشرائع والأحكام، لقضاء العادة ببلوغ منعهم لو كان إلينا بطريق التواتر أو التسامع والتظافر.
لا يقال، إنما يتم ذلك لو كان مبناه على عدم الاعتناء بالاحتمال الملتفت إليه، لا على عدم طرو الاحتمال ولو من جهة الغفلة والذهول عن منشائه، بحيث لولاهما لالتزموا الوقف لا غير، فجهة بنائهم غير واضحة، لأن الغفلة والذهول - على فرض تحققهما - فمبناهما على كون موجب الأصل مركوزا في أذهانهم، ومقتضى القاعدة راسخا في ضمائرهم.
وما ادعي في المقام فإنما هو عدم التفات إلى الاحتمال، وموجبه الأصل والعلم الضروري بأن نحو هذا الاحتمال ما نزل وجوده رأسا منزلة عدمه.
ومما يفصح عنه أيضا: أنه لو تقاعد أحد عن ترتيب آثار العدم على بعض