وبجميع ما حققناه هنا مضافا إلى ما مر في تحقيق معنيي الماضي والمضارع اتضح أمران:
أحدهما: كون فعل الأمر كأخويه في عدم الدلالة بالوضع على النسبة الفاعلية، بل هو يدل بالوضع على الطلب من حيث إنه نسبة بين الحدث والمتكلم، كما إنهما بالوضع لا يدلان على النسبة الزمانية.
وثانيهما: حصول الفرق بينه وبينهما في صورة التركيب الكلامي، حيث إن الهيئة الكلامية فيهما تدل على النسبة الفاعلية دلالة مقصودة بالوضع أو الاستعمال، بخلاف الهيئة الكلامية فيه فإنها لا تدل كذلك إلا على الطلب من حيث إنه نسبة بين الحدث وفاعله، ولأجل ذا كان المركب معهما من الكلام الخبري ومعه من الكلام الإنشائي.
وضابط الفرق بينهما: إن الخبر كلام لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، والإنشاء كلام ليس لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، والمراد بنسبة الكلام هي النسبة التي يقصد إفادتها باللفظ، والمراد بالخارج النسبة الواقعية التي تكون ثابتة بين طرفي النسبة المقصود إفادتها باللفظ، فالنسبة المقصودة من قول القائل:
" ضرب زيد " مثلا هي نسبة " الضرب " إلى " زيد " من حيث حصوله منه، ولها مع قطع النظر عنها وعن هذا اللفظ وصدوره عن قائله خارج، وهو النسبة الواقعية بين " الضرب " و " زيد " الثابتة في نفس الأمر، من دون أن يكون ثبوتها وجودا أو عدما دائرا مدار اللفظ وجودا أو عدما، وهي أن الضرب في الواقع إما حاصل من " زيد " أو ليس بحاصل فحصوله منه أو عدم حصوله نسبة بينهما قد يطابقها نسبة الكلام فيكون صدقا، وقد لا يطابقها فيكون كذبا، كما أن النسبة المقصودة من قول القائل: " اضرب " مثلا هي مطلوبية " الضرب " من " زيد " ولا خارج لها مع قطع النظر عنها وعن اللفظ وصدوره، بل هي في وجودها بينهما وعدم وجودها دائرة مدار اللفظ المفيد لها وجودا وعدما، فإذا وجد اللفظ وجدت وإلا لم توجد.
ثم إن ها هنا إشكالين يندفعان بملاحظة ما بيناه: