نعم قد يرد إطلاقه على ما دخل فيه الذات مجازا، كما في " زيد عدل " في غير مقام المبالغة، وفي " خلق الله " ثم إنه قد يعتبر الوقوع في مفهومه بحيث تصح إضافته إلى فاعل الحدث وموجده، فيسمى بهذا الاعتبار بالمصدر المبني للفاعل، وقد يعتبر بحيث تصح إضافته إلى المفعول به، فيسمى بهذا الاعتبار بالمصدر المبني للمفعول، وفي كونه حقيقة في الأول خاصة أو في الثاني كذلك، أو فيهما معا على طريقة الاشتراك لفظا أو معنى، أوجه، أوجهها الأول لأمارة التبادر، فإن المتبادر من نحو " الضرب " و " القتل " إنما هو الحدث الخاص من حيث الوقوع بمعنى الفاعلية لا هو بمعنى المفعولية، هذا مضافا إلى قاعدة غلبة الاستعمال وندرته، مع أصالة المجاز في مقابلة الاشتراك لفظا.
ثم ينبغي أن يعلم: إن الوقوع المأخوذ على هذا الوجه وإن كان بحسب الواقع لازم الإضافة إلى الفاعل، غير أن الإضافة إليه فعلا لم تعتبر في وضع المصدر، بأن تكون جزءا لمدلوله الوضعي وإلا انقلبت النسبة الإجمالية تفصيلية، وهو خلاف ما يساعد عليه ظاهر اللفظ بحسب العرف.
فما عن بعض المحققين في الفرق بينه وبين اسم المصدر من أن المصدر موضوع للحدث من حيث اعتبار تعلقه بالمنسوب إليه على الإبهام، ولذا يقتضي الفاعل والمفعول ويحتاج إلى تعيينهما في استعماله، واسم المصدر موضوع لنفس الحدث من حيث هو بلا اعتبار تعلقه بالمنسوب إليه، وإن كان له تعلق في الواقع، ليس على ما ينبغي.
وقريب منه أو يرادفه ما عن بعضهم في الفرق أيضا، من أن المعنى الذي يعبر عنه بالفعل الحقيقي ومبدأ الفعل الصناعي إن اعتبر فيه تلبس الفاعل به وصدوره منه وتجدده، فاللفظ الموضوع بإزائه مقيدا بهذا القيد يسمى مصدرا، وإن لم يعتبر فيه ذلك فاللفظ الموضوع بإزائه مطلقا عن هذا القيد المذكور هو اسم المصدر.
فإن هذا البيان بكل من التقريرين يعطي بظاهره كون المصدر ما أخذ في مدلوله النسبة التفصيلية، وإن لم يدخل معه المنسوب إليه بعنوان الجزئية، وهو مما يكذبه ضرورة الوجدان والاستعمال.