أحدهما: ما توهم في نقض ضابط الخبر، من أن فيه أيضا نسبة لا خارج لها وهي إيقاع نسبة الحدث على فاعله، فإن المتكلم بقوله: " ضرب زيدا " إنما يوقع نسبة حدث " الضرب " على " زيد " وهو نسبة في الخبر حاصلة بين المتكلم ومضمون خبره ولا خارج لها، لأنها تتولد بنفس اللفظ ولا توجد عند عدم وجوده.
ووجه الاندفاع: إنه فرق واضح بين النسبة التي هي من مقاصد اللفظ، والنسبة التي هي من لوازم التلفظ، وإيقاع النسبة أمر مشترك بين جميع أنواع الكلام خبريا أو إنشائيا طلبيا أو غيره، وقد تعبر عنها بالنسبة المتكلمية، ولا إشكال في كونها إنشائية حتى في الخبر، غير أنها لا تصلح نقضا لضابطه، لأنها من لوازم التلفظ لا من مقاصد اللفظ، لأن المتكلم لا يقصد بكلامه إفادة أنه أوقع النسبة، بل إنما يقصد بإيقاعه النسبة بإيجاد اللفظ إفادة أصل النسبة باللفظ، والمراد بالنسبة في ضابط الخبر والإنشاء هي النسبة المقصودة باللفظ لا مطلقا.
وثانيهما: ما سبق إلى بعض الأوهام في نقض ضابط الإنشاء، من أن فيه أيضا نسبة لها خارج تطابقه أو لا تطابقه وهي النسبة الفاعلية، فإن قول القائل:
" اضرب " تتضمن نسبة حدث " الضرب " إلى " زيد " من حيث إنه يقع منه.
ولا ريب أن له خارجا لأن زيدا في الخارج إما أن يقع منه " الضرب " فهو نسبة يطابقه ما تضمنه اللفظ المذكور، أو لا يقع فهو نسبة لا يطابقها ما تضمنه اللفظ.
ووجه الاندفاع: ما بيناه من أن المراد بالنسبة في ضابط الخبر والإنشاء ما قصد إفادته باللفظ، وقد علم إن النسبة الفاعلية في الإنشاء ليست من هذا الباب، بل المقصود بالإفادة هي النسبة الطلبية ولا خارج لها.
وبجميع ما تقدم تعلم حقيقة الحال في فعل النهي، فإنه كالأمر في جميع ما مر حرفا بحرف، فلا حاجة له إلى أخذه عنوانا على حدة والبحث عنه بانفراده، فصار المتحصل: أن فعل الأمر ما وضع للدلالة على طلب إيجاد الحدث من حيث إنه نسبة بينه وبين المتكلم، وفعل النهي ما وضع للدلالة على طلب عدم إيجاد الحدث من حيث إنه نسبة بينه وبين المتكلم أيضا.