وربما يستشكل في معنى استحباب الجزء والذي يتصور فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون معناه استحباب العبادة مشتملة عليه، ومرجعه: إلى كون العبادة المشتملة عليه أفضل فردي الماهية، بناء على أن استحباب الواجب معناه الأفضلية وأكثرية الثواب، وعليه يكون ذلك الجزء مقدمة لحصول الأفضل المحكوم عليه بالاستحباب، فيكون مستحبا بالاستحباب الغيري بحكم المقدمة.
وثانيهما: أن يكون معناه استحبابه لذاته في العبادة، على معنى كون العبادة محلا له أثناء أو قبلا أو بعدا.
وعليه فيكون العبادة مقدمة لحصوله على عكس الوجه الأول، فتكون واجبة ومستحبة بالاعتبارين، بناء على القول بجواز اجتماع الوجوب النفسي مع الاستحباب الغيري، إن لم يخدشه منع المقدمية بجميع أقسامها، وإنما غايته كونها من لوازم وجوده من غير جهة المقدمية، فيعرضها الاستحباب على سبيل المسامحة والمجاز، لكون العارض كالمعروض الحقيقي واحدا، وإنما يتعدد العروض بالفرض والاعتبار على حد الوجوب العرضي الذي يضاف إلى استقبال الأمور المحاذية للقبلة باعتبار وقوعها في جهتها عند الخطاب باستقبالها المستلزم لاستقبال جميع ما بحذاها.
وكيف كان: فإطلاق الجزء على هذا الوجه عليه مسامحة، يرد لضرب من المجاز، لكونه باعتبار وقوعه في العبادة يشبه الجزء.
ومن فروع الفرق بين الوجهين اشتراط ذلك الجزء المسنون بما اشترط به العبادة على الأول وعدمه على الثاني، ويظهر أثر هذا الفرع في الأذان والإقامة والتكبيرات الست من السبع الافتتاحية على تقدير تأخير تكبيرة الإحرام، فعلى ثاني الوجهين يجوز الإتيان بها محدثا وغير مستقبل القبلة - كما هو الأقوى على ما حققناه في الفقه (1) - وكذا التسليم على القول باستحبابه.