ثم إن هاهنا دقيقة ينبغي التنبيه عليها، وهي إن من عادة الناس إذا دخلوا بلدا يغاير عرفه في بعض الألفاظ عرفهم، إنهم يتعلمون عرف ذلك البلد ويصطلحونه ويتخذونه عرفا لهم تبعا ما داموا مقيمين فيه، فيصير ذلك عرفا طارويا واصطلاحا ثانويا، ويكون مدار الإفادة والاستفادة ما دامت الإقامة فيه على ذلك العرف لا غير، وأظهر موارد هذه العادة وأكثر مواقعها ألفاظ الأوزان والمقادير.
وقضية ذلك عدم وقوع التعارض بين عرف البلد وعرف من غايره عرفه الأصلي - متكلما كان أو مخاطبا - في نحوه هذه الألفاظ، إذ لا يعقل التعارض مع اتحاد العرف، وبذلك بطل ما صنعه بعضهم من استثناء ألفاظ الأوزان والمقادير من موضوع مسألة تعارض عرف المتكلم والمخاطب، أو من قاعدة تقديم عرف المتكلم، تعليلا بتعين تقديم عرف بلد الخطاب في هذه الألفاظ، سواء وافق عرف المتكلم أو عرف المخاطب أو خالفهما جميعا، لصيرورة عرفه عرفا طارويا واصطلاحا ثانويا حينئذ للمخاطب أو للمتكلم أو لهما، ولا تعارض مع الاتحاد.
كما بطل أيضا أكثر التفاصيل المتقدمة عند بيان وجوه المسألة ومحتملاتها، التي أخذ فيها عرف البلد طرفا للترجيح، بجعل الموافقة له شرطا فيه، أو مخالفته لعرف المتكلم أو المخاطب مانعا، كما بطل القول بتقديم عرف البلد مطلقا، إذ لا تغاير بعد صيرورة عرف البلد عرفا طارويا واصطلاحا ثانويا.
ومن هنا ربما يتطرق الإشكال إلى أصل المسألة، إذ المخاطبة إن وقعت في بلد المتكلم أو بلد آخر يوافق عرفه عرف المتكلم فقد صار عرفه عرف المخاطب أيضا وإن وقعت في بلد المخاطب أو بلد آخر يوافق عرفه عرف المخاطب فقد صار عرفه عرف المتكلم أيضا، وإن وقعت في بلد آخر يخالف عرفه عرفيهما فقد صار ذلك العرف عرفا لهما، وأيا ما كان فالتعارض مع اتحاد العرف الحاصل بالفرض غير معقول.
وبالجملة: موضوع المسألة إما العرف الأصلي للمتكلم والمخاطب فقط، فيرد عليه: عدم كون مدار الإفادة والاستفادة في مجاري عادات المتكلمين على العرف الأصلي فقط بل على ما يعمه والعرف الطاروي.
أو ما يعم الأصلي والطاروي فيخدشه: عدم وقوع التعارض، لأن قضية