أما الأول: فلامتناع الخطأ عادة على أهل اللغة في أجزاء لغتهم المعتادة واصطلاحهم المتعارف.
وأما الثاني: فلانتفاء دواعي الكذب في خصوص المقام.
وبالجملة: العلم الضروري بكون مبنى المحاورة في جميع اللغات والألسنة على العلم بالأوضاع، والقطع بالموضوعات مما لا ينبغي إنكاره، بل المنكر له مكابر وجدانه.
وبما قررنا يتضح فساد الاحتجاج على الحجية، بأنه: لولاها لزم سد باب الإفادة والاستفادة، لانسداد باب العلم في اللغات. وكأن مبنى هذا التوهم على اشتباه العمل بالظن في تشخيص الظواهر، بالعمل به في العمل بالظواهر.
ولا ريب أن المقامين بينهما بون بعيد، وعلى أي حال فدفع هذه الحجة إنما هو بمنع الملازمة، إذ لو أريد باللغات المسدود فيها باب العلم القدر الكافي منها في المحاورات، مما هو متداول في المخاطبات عند كل قوم في كل مصر من الألفاظ والمعاني، أصلية كانت أو طاروية، فلا ريب أن باب العلم بهذا المقدار بجميع جهاته وتفاصيله مفتوح لكل أحد من آحاد أهل كل لغة، ولا يجد أحد من نفسه إنه في أقل قليل من أجزاء لغته المتداولة بان على الظن بالوضع بالتقريب المتقدم.
ولو أريد بها المجموع من ذلك ومن الألفاظ الأصلية وغيرها المهجورين في المحاورة، فلا ريب أن باب العلم بأغلب اللغات بهذا المعنى وأكثرها أيضا مفتوح، لكون أكثرها ما يعلم به بملاحظة العرف والأمارات العرفية المفيدين للقطع، كما هو الحال في القدر المكتفى به في المحاورة من الألفاظ والمعاني الموجودتين، وما لا يعلم به بملاحظتهما فإنما يعلم به بمراجعة أقوال اللغويين في موضع تعاضد بعضها ببعض، كما لو اتفقوا أو تعددوا على وجه يحصل من تعددهم العلم بالمطلب، وما لا معاضد له فإنما يؤخذ به لإفادته العلم بملاحظة قرائن المقام وشواهد الكلام، من الأمور الجزئية الغير المنضبطة التي يطلع عليها المتتبع، فلا يبقى في المقام إلا أقل قليل من الألفاظ المهجورة بأنفسها أو بمعانيها، وبانسداد