كيف وهذا البناء لو كان مستقرا وهذا العمل لو كان ثابتا لشاع وذاع، بحيث يعرفه كل أحد عن صاحبه، ويعهده عن نفسه وعن غيره من معاشريه وأهل لسانه، على قياس ما هو الحال في العمل بالظواهر لتشخيص المرادات وإحراز الدلالات، والمنصف يجد عند مراعاة الإنصاف ومجانبة الاعتساف أن ذلك مما لا أثر له في شيء من اللغات، ولو كابر مكابر فنحن لا نجد من أنفسنا الاستناد إلى الظن في شيء من ألفاظ اللغة المتداولة عندنا، من العربية أو الفارسية أو التركية - وحدانية أو ثنائية أو ثلاثية - وكذلك لا نجد من غيرنا من مشاركينا في تلك اللغة أن بناءه في عاداته ومعاملاته وشرائعه على العمل بالظن، على معنى كون الوضع المعتبر فيه الذي عليه مدار جميع أحكامه ثابتا في نظره بطريق ظني، أو قول لغوي غير مفيد للعلم على وجه يتفطن بكونه متعمدا فيه.
نعم استقرار بنائهم في الاعتماد على التبادرات والترديدات بالقرائن وأخبار الآحاد أمر مسلم لا يستراب فيه، غير إن الأولى والثانية من هذه الأمور ونظائرها طرق علمية حيثما أحرزت بطريق علمي، وأما ما أحرز منها بنحو الظن فلا يسلم إنهم يعتمدون عليه.
وبالجملة إنما يستند إلى هذه الطرق في محل العلم بالملزوم، وأما التبادر الظني فلم نعهد أحدا يستند إليه، ولو فرض الاستناد إليه في بعض الأحيان، فإنما هو في الأمور التي يتسامح فيها عرفا وشرعا لا مطلقا.
وأما أخبار الآحاد فإنها وإن لم تكن في حد أنفسها مفيدة للعلم، غير أن الغالب فيها وجود القرائن المفيدة له، فإنما يؤخذ ذبها في بناء العقلاء في موضع وجود القرائن لا مطلقا، إلا في الأمور المتسامح فيها.
ألا ترى أنه لو أخبرنا عربي أو تركي أو غيرهما بوضع لفظ متداول في لغته لمعنى في موضع التعليم، خصوصا إذا كان مسبوقا بالسؤال، لحصل لنا بحكم العادة وقرائن المقام العلم بصدقه، ولا نشك في مطابقته للواقع.
والسر فيه أن ما يمنع عن حصول العلم بالخبر غالبا هو احتمال الخطأ والكذب، وهما في المقام منفيان بحكم العادة القطعية.