تخلف الواقع عن الاعتقاد في مظان العصمة لأدلة العصمة، مع قضاء الوجدان عند النظر في قول لغوي بالتزام التحري لاعتبار أمر زائد عليه، من تواتر أو تظافر أو اعتضاد بقرائن خارجية وشواهد عرفية ليفيد بإعانته العلم، وهذا من آثار انتفاء الملازمة الواقعية، مع أن ملاحظة ما قيل في أئمة اللغة من الموهنات والقوادح، مثل التقصير في الاجتهاد أو البناء على أصل فاسد من قياس ونحوه، كما نقل عن المازني أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم، وكون الغالب عليهم انتفاء العدالة بل وفساد المذهب، فلا يؤمن عليهم من تعمد الكذب والوضع إذا تعلق به بعض الأغراض الفاسدة، كما عن روبة وابنه إنهما ارتجلا ألفاظا لم يسبقا إليها.
وعن الأصمعي، إنه نسب إلى الحذاعة زيادة ألفاظ مما يمنع عن انكشاف الواقع لمجرد قول لغوي، وهذا كله آية انتفاء الملازمة، فجهة التكلم في اعتباره حينئذ تنحصر في جهة الموضوعية، فإنه الذي يجوزه العقل إما بحسب العرف، على معنى أنه شيء نزله العرف وأهل اللسان الكاشف عن ترخيص الواضع منزلة الواقع بإجراء أحكام الوضع والحقيقة والمجاز عليه، وإن تخلف عنه الواقع بحسب الواقع، أو بحسب الشرع، على معنى كونه مما نزله الشارع منزلة الواقع وإن خالفه، وعلى التقديرين فيجوز أن يكون مناط الاعتبار هو الذات، أعني قول اللغوي من حيث هو، أو ما هو المسبب عنها وهو الظن الحاصل منها المتعلق بالوضع أو الحقيقية أو المجازية، ولأجل ذا اختلفت الأنظار واضطربت الآراء في حجيته وعدمها، حتى حصلت بينهم أقوال مختلفة، على ما عثرنا عليه من المحقق والمحكي.
فقيل: بكونه حجة وإن لم يفد الظن.
وقيل: بعدم كونه حجة وإن أفاد الظن.
وقيل: بكونه حجة إن أفاد الظن.
وقيل: بعدم كونه حجة إلا إذا انسد باب العلم، ولم يظهر منه أن المراد انسداد باب العلم في اللغات خاصة وإن انفتح في الأحكام الشرعية، أو في الأحكام خاصة وإن انفتح في اللغات، أو فيهما معا، ولكل وجه من الأدلة الآتية.