فاعلم أن أظهر محامل الأصل هنا بالنظر إلى كلمات الأصوليين وإطلاقاتهم اللاحقة بتلك اللفظة إنما هو الظهور، فأصالة الحقيقة يراد بها ظهور الحقيقة، على معنى ظهور اللفظ الموضوع المجرد في إرادة معناه الحقيقي.
وأما حمله على القاعدة المقتضية لحمل اللفظ على حقيقته، وإن كان محتملا التفاتا إلى أن وجوب حمل كل لفظ موضوع مجرد على إرادة معناه الحقيقي قاعدة مستفادة من العرف أو من العقل، صونا لكلام المتكلم الحكيم عن الإغراء بالجهل القبيح عليه من جهة منافاته الحكمة، غير أنه بعيد عن ظاهر كلماتهم وإطلاقاتهم.
ومما يبعده أيضا: أن ظاهر كلامهم في الاستدلال على حجية أصالة الحقيقة كون الغرض منه إثبات حكم لموضوع محرز وهو أصالة الحقيقة، وقضية الحمل على القاعدة كون الغرض من البحث والاستدلال إثبات أصالة الحقيقة، لا إثبات حكم لها.
وبالجملة: فرق بين البحث عن حكم أصالة الحقيقة والبحث عن أصالة الحقيقة، ظاهر كلام الأصوليين هو الأول.
والحاصل: إن المستفاد من ظاهر كلام الأصوليين كون أصالة الحقيقة موضوعا لحكم أصولي لا إنها نفس الحكم الأصولي، وكونها موضوعا لا يستقيم إلا بالحمل على الظهور.
وأبعد مما ذكر حمله على إرادة الدليل، بتقريب: كون الاستعمال المجرد عن القرينة أو اللفظ المجرد عنها دليلا على إرادة الحقيقة، فإنه أيضا لا يلائم بحث الحجية، لرجوعه حينئذ إلى إثبات الدليل، لا إثبات حكم للدليل، أو ما هو من أحوال الدليل.
وأبعد من الجميع ما قد يتخيل من إمكان إرادة الاستصحاب، بتقريب: أن البناء على الحقيقة والحمل عليها إنما هو من مقتضى أصالة عدم القرينة أو أصالة عدم الالتفات إلى القرينة الموجودة، فأصالة الحقيقة معناها الاستصحاب المقتضي للبناء على الحقيقة.