ومنها: ما ورد من أن يعلى بن أمية سأل عمر بن الخطاب فقال: ما بالنا نقصر وقد أمنا وقد قال تعالى: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) * (1)؟ فقال له عمر: قد عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
" صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوها " (2). فقد فهما من ذلك انتفاء القصر مع انتفاء الخوف، وهما من أهل اللسان، ولما ذكر عمر ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) أقره على ذلك وأجاب بأنه صدقة... الخ.
وفيه: أنه يمكن أن يكون تعجبهما من جهة تسرية القصر إلى صورة الأمن مع اختصاص حكم القصر بمقتضى منطوق الآية الشريفة بصورة الخوف، فيكون الحكم في غيرها على مقتضى الأصل من الإتمام، كما هو ظاهر من الخارج، ويشهد له اللفظ التقصير الدال على الخوف.
وقد يجاب عنه بمنع كون الأصل في الصلاة الإتمام، إذ ليس في الكتاب ما يدل عليه، وقد روت عائشة خلافه، فإنها قالت: إن صلاة السفر والحضر كانت ركعتين، فقصرت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر (3).
مضافا إلى أنه لو كان التعجب من جهة انتفاء التمام مع قضاء الأصل به لكان المناسب أن يقال: فما بالنا لا نتم فظهر، بذلك أنهما تعجبا من حصول القصر مع انتفاء الشرط.
وفيه: أن ظاهر الآية الشريفة تعطي كون الأصل هو التمام، وكون الأصل فيها هو الركعتين - حسب ما روته عائشة - إن ثبت لا يدل على عدم انقلاب الأصل، كما يومئ إليه ظاهر الآية وغيرها. ومن الجائز أن يكون التعجب من ثبوت حكم القصر مع اختصاص الآية بصورة الخوف، فقال: ما بالنا نقصر وقد أمنا، وليس في ذلك خروج عن ظاهر السياق أصلا، كما لا يخفى.