قوله: * (الأكثرون على أن الأمر بالشئ) *.
هذه المسألة إنما ترتبط بالأوامر من جهة مدلولها الذي هو الوجوب وإلا فلا اختصاص لها بالأوامر، إذ هو من أحكام الوجوب سواء كان الدال عليه أمرا أو غيره، فالمقصود أن وجوب الشئ هل يستلزم وجوب ما لا يتم ذلك الشئ إلا به فيكون ذلك قاضيا بدلالة ما يفيد ثبوت الأول على الثاني أو أنه لا ملازمة بين الأمرين فلا دلالة؟ وإذا كان الحكم المذكور من أحكام الوجوب ولواحقه فهو من الأحكام المرتبطة بالمبادئ الأحكامية، بل هو الصق بها ولذا اختار الحاجبي ذكرها هناك وتبعه شيخنا البهائي.
ويمكن إدراجها في الأدلة العقلية أيضا لاستقلال العقل بالملازمة بين الأمرين، فكما أن العقل قد يدرك بعض الأحكام بنفسه مع قطع النظر من ورودها في الشرع فكذا قد يدرك ثبوت بعض الأحكام بعد حكم الشرع بثبوت حكم آخر لاستقلاله بالملازمة بين الأمرين، فثبوت الملازمة حكم عقلي صرف وثبوت المقدمة شرعي ويتفرع عليها ثبوت اللازم، فإثبات الملازمة بين الأمرين - كما هو محط البحث في المقام - مما يستقل به العقل وإن كان الحكم بثبوت اللازم بعد ورود الشرع بثبوت الملزوم وملفقا من العقل والنقل ولذا أدرجها بعضهم في الأدلة العقلية.
وكيف كان فتحقيق الكلام في المسألة يتوقف على رسم مقدمات:
أحدها: أن الواجب ما يذم تاركه في الجملة أو ما يستحق تاركه العقوبة كذلك. ولا يرد عليه المخير، لوضوح استحقاق تاركه الذم أو العقاب على فرض ترك الجميع، فإن لترك كل منها دخلا في الاستحقاق المفروض. ولا الموسع ولو فرض موت المكلف فجأة في أثناء الوقت، نظرا إلى استحقاقه الذم أو العقوبة على ترك الطبيعة المأمور بها رأسا في تمام الوقت المضروب.
وقد يورد عليه وجوب المقدمة على القول به، إذ لا استحقاق للذم ولا العقوبة على تركها عند القائل بوجوبها، كما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى، وإنما استحقاق الذم والعقاب على ترك ذيها.