يجئك، أكرمك أو لم يكرمك " وقوله: " أكرم زيدا إن جاءك أو إن أكرمك "؟ ولذا يجعل حكمه الثاني عدولا عن الأول ورجوعا عنه إلى غيره.
خامسها: أن قوله: " الشرط في إعطائه إكرامك " يفيد انحصار الشرط فيه، ولا دلالة في قوله: " أعط زيدا إن أكرمك " على ذلك.
وفيه: أنه لما كان مفاد الجملة الشرطية هو الوجود عند الوجود والانتفاء عند الانتفاء لزمه انحصار الشرط في وجوب الاكرام في ذلك، وإلا لم يجب الإعطاء بمجرد وجود الشرط المذكور فلا تفاوت في ذلك بين مفاد الأمرين.
هذا، ويمكن الاحتجاج على ذلك بوجهين آخرين:
أحدهما: نص جماعة من أهل اللغة على ما حكى بدلالته على ذلك. فقد عزى الزركشي إلى كثير من أهل اللغة، منهم أبو عبيدة وغيره بحجية مفاهيم المخالفة ما عدا اللقب، وقولهم حجة في ذلك. وقد عورض ذلك بمنع الأخفش وغيره منه، إلا أنه يمكن دفعه بتقديم الإثبات على النفي وانجبار الأول بفهم العرف وموافقته لقول الأكثر.
لا يقال: إن الاستناد إلى كلام أهل اللغة إنما يتم لو قلنا بكون اللفظ موضوعا بإزاء ذلك، أو قلنا بكونه بعضا من الموضوع له. وأما لو قلنا بكون الدلالة عليه التزامية كما هو الأظهر - حسب ما سيجئ بيانه إن شاء الله - فلا وجه للرجوع فيه إليهم، لدوران ذلك مدار الملازمة بين الأمرين من غير حاجة فيه إلى نقل النقلة.
لأ نا نقول: إن الرجوع إلى أهل اللغة إنما هو في إثبات وضعه لما هو ملزوم لذلك، لا في دلالته على اللازم بعد تعيين الملزوم.
ثانيهما: عدة من الروايات الدالة عليه:
منها: ما رواه القمي في تفسيره، والصدوق في معاني الأخبار عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى في قصة إبراهيم (عليه السلام): * (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) * (1) قال (عليه السلام): ما فعله، وما كذب إبراهيم (عليه السلام)، قلت فكيف ذلك؟