معالم الدين:
أصل الحق أن صيغة الأمر بمجردها، لا إشعار فيها بوحدة ولا تكرار، وإنما تدل على طلب الماهية. وخالف في ذلك قوم فقالوا: بإفادتها التكرار، ونزلوها منزلة أن يقال: " إفعل أبدا "، وآخرون فجعلوها للمرة من غير زيادة عليها، وتوقف في ذلك جماعة فلم يدروا لأيهما هي.
لنا: أن المتبادر من الأمر طلب إيجاد حقيقة الفعل، والمرة والتكرار خارجان عن حقيقته، كالزمان والمكان ونحوهما. فكما أن قول القائل: " اضرب " غير متناول لمكان ولا زمان ولا آلة يقع بها الضرب، كذلك غير متناول للعدد في كثرة ولا قلة. نعم لما كان أقل ما يمتثل به الأمر هو المرة، لم يكن بد من كونها مرادة، ويحصل بها الامتثال، لصدق الحقيقة التي هي المطلوبة بالأمر بها.
وبتقرير آخر: وهو أنا نقطع بأن المرة والتكرار من صفات الفعل، أعني المصدر، كالقليل والكثير، لأ نك تقول: اضرب ضربا قليلا، أو كثيرا، أو مكررا، أو غير مكرر، فتقيده بالصفات المختلفة. ومن المعلوم أن الموصوف بالصفات المتقابلة لا دلالة له على خصوصية شئ منها. ثم إنه لا خفاء في أنه ليس المفهوم من الأمر إلا طلب إيجاد الفعل أعني المعنى المصدري، فيكون معنى " اضرب " مثلا طلب ضرب ما، فلا يدل على صفة الضرب، من تكرار أو مرة أو نحو ذلك.