تعالى * (إنما وليكم الله...) * (1)، وإن كان موضوعا لأحدهما دلت على انتفاء غيره عنه، كما في قوله سبحانه: * (إنما أنا بشر مثلكم...) * (2)، وحيث كان الانتفاء على أحد الوجهين من اللوازم البينة لمعنى القصر كانت الدلالة عليه من باب المفهوم وإن كان دلالتها على الحصر بالمنطوق.
وقد قيل: إن دلالة " إنما " على النفي إنما يكون بالمنطوق تعليلا بوضعها للحصر، وبما ذكر من تضمنها معنى " ما " و " لا " وهو ضعيف، فإن الدلالة المفهومية أيضا مستندة إلى الوضع غالبا، غير أن اللفظ لم يستعمل في نفس المدلول، إنما وضع لملزومه واستعمل فيه، كما في مفهوم الشرط والغاية، فإن دلالة الأداة على أحدهما بالمنطوق وعلى ما يلزمهما من الانتفاء بالمفهوم - كما مر في محله - وما ذكر من تضمنها معنى النفي إنما يراد به ما ذكر، وإلا فلا دليل عليه كما عرفت، ولذا يحسن التصريح بالنفي بعد " إنما " عند إصرار المخاطب على الانكار، ولا يحسن تكراره بنفسه: إنما زيد قائم لا قاعد، ولا يقال: ما زيد إلا قائم لا قاعد.
نعم، لو قلنا بتركيب اللفظ المذكور من حرفي الإثبات والنفي وبقائه على المعنى التركيبي كانت في الدلالة في ذلك من المنطوق، لتصريحه إذا بالانتفاء وإن كان متعلقه مقدرا في الكلام، إذ المقدر في حكم المذكور. لكنك قد عرفت ضعف الاحتمال المذكور وإن أمكن ذكره من باب المناسبة، فتأمل.
ومنها: مفهوم الاختصاص والتوقيت والتحديد والبيان حيث لا يكون في محل النطق، وهي قريبة من معنى الحصر، بل راجعة إليه في الحقيقة، سواء دل عليها أسماؤها أو الحروف المستعملة فيها، كما في قوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * (3)، وقولك: استأجرت الدار التي لزيد، إلى غير ذلك. أما لو كان مدلول القضية نفس تلك المعاني كأن تقول: المال لزيد، وما بين الظهر والمغرب