فالأولى أن يقال: إن التقييد المذكور لإخراج الأفراد أو الأنواع الغير المقدورة من المقدمات إذا كانت غيرها مقدورا عليه لاطلاق الأمر بالفعل حينئذ، فلا يقضي اعتبار إطلاق الواجب بخروج ذلك مع أن الأمر بالشئ على وجه الإطلاق لا يقضي بوجوبها، فالأمر بالشئ مطلقا على القول بوجوب المقدمة إنما يقتضي إيجاب النوع أو الفرد المقدورين دون غيره، لعدم تعلق التكليف بغير المقدور مطلقا وإن اكتفى بها في أداء الواجب على فرض حصولها، فظهر بذلك أن ما ذكره جماعة من عدم الحاجة إلى القيد المذكور ليس على ما ينبغي.
قوله: * (والضرب الآخر يجب فيه مقدمات الفعل) *.
صريح في ذهابه إلى وجوب مقدمة الواجب المطلق مطلقا سواء كانت شرطا أو سببا، بل وسواء كانت شرطا شرعيا أو غيره وإن [صح] (1) كان ما ذكره من المثال من قبيل الشرط الشرعي. وظاهر كلامه يشير إلى أن ذلك أمر واضح لا حاجة إلى إقامة الدليل عليه.
ثم إن الظاهر منه إرادة الوجوب بالمعنى الذي بيناه لا مجرد وجوب الإتيان بها بالعرض بمعنى وجوبها بوجوب الإتيان بما يتوقف عليها، إذ ليس ذلك من حقيقة الوجوب في شئ حسب ما مر بيانه، فاحتمال حمل كلامه على ذلك بعيد غاية البعد كاحتمال حمله على إرادة الوجوب الأصلي أو الوجوب الذي يترتب عليه عقاب مستقل على ترك الفعل، إذ لا باعث لحمل كلامه عليه مع وضوح فساده.
قوله: * (إلا أن يمنع مانع) *.
ظاهر كلامه يفيد تفسير السبب بالملزومات العادية مما يترتب عليه غيره بحسب العادة، بحيث يكون التخلف عنه خارقا للعادة، وهو كما ترى أخص من المقتضي وأعم من العلة التامة لعدم إمكان التخلف في الثاني، وجواز التخلف في الأول من غير خرق للعادة كما إذا قارنه عدم الشرط أو وجود المانع الذي يمكن حصوله على النحو المعتاد.