- وسابعها - أنه قد يقال: إن الأصل في الأوامر حصول الاجتزاء بفعل المأمور به على أي وجه وقع، سواء وقع بقصد الامتثال والطاعة أو بدونه، بل وإن وقع بقصد الرياء أو غيره، مستقلا أو منضما إلى قصد القربة على وجه يكون كل من القصدين مستقلا في الداعي، أو يكون أحدهما مستقلا والآخر تبعا له، أو يكون المجموع هو الداعي دون أحدهما، إلا أن استحقاق المدح والثواب يتوقف على الإتيان بالمطلوب على وجه الامتثال وإطاعة الأمر، فالإتيان به بغير القصد المذكور إنما يرفع عقوبة المخالفة.
ودعوى استلزام موافقة الأمر للإثابة ممنوعة، إنما يستحق العوض بالإتيان بالفعل من حيث كونه مطلوبا للآمر وإن انضم إليه غيره من القصود أيضا.
وقد يقال بانصراف الأوامر إلى طلب الفعل المأمور به من حيث كونه مطلوبا للآمر، فلو أتى به لغير تلك الجهة بل لأغراض اخر خارجة عن غرض الآمر لم يكن من الواجب، فيبقى في عهدته حتى يأتي به على وجهه إلا أن يظهر من القرينة حصول الغرض بمطلق الفعل، فالأصل في الأوامر أن يكون متعلقها عبادة حتى يظهر خلافه. ويشهد به فهم العرف.
ألا ترى أنه لو أمر المولى عبده بشراء اللحم - مثلا - فاشتراه العبد لنفسه أو لرجل آخر لم يكن آتيا بمطلوب المولى. وكذا لو أمر الموكل وكيله في شراء متاع أو الموصي وصيه في عتق أو وقف فاشتراه لنفسه أو لغيره أو أعتق ووقف عن نفسه أو عن رجل آخر لم يكن عاملا بمقتضى الأمر ولم يقع للآمر، ولو كان الأمر المذكور شاملا لكلا الوجهين لزم وقوعه عنه. ولو أمر المستأجر أجيره بعمل من الأعمال فعملها لنفسه أو لغيره أو من غير قصد الموافقة فلا شك في خروجه عن غرض المستأجر ولا يستحق عليه شيئا من المسمى واجرة المثل. وهذا ينبغي أن يكون وجها في عدم ترتب الثواب على الواجبات الواقعة لغير غرض الامتثال.
ولو اندرج ذلك في مدلول الأمر كان من المطلوب بعينه فينبغي ترتب الثواب عليه.