قوله: * (الأقرب عندي أن نسخ مدلول الأمر... الخ) *.
هذه المسألة أيضا من أحكام الوجوب ولا ترتبط بالأوامر إلا من جهة كون مدلولها ذلك عند الجمهور، فلا فرق بين كون الوجوب مدلولا للامر أو غيره من الأدلة اللفظية أو العقلية وإن لم نسم الثاني نسخا بل ارتباطها بالنسخ أولى من ربطها بالوجوب، إذ لا خصوصية للحكم المذكور بالوجوب، لجريانه في الندب وغيره من الأحكام، بل وغير الأحكام أيضا، فالمناط في ذلك على ما بنوا عليه الاستدلال أنه إذا رفع أمر مركب فهل يحكم برفعه أجمع أو إنما يحكم برفع ما تحقق رفعه من أبعاضه ويحكم ببقاء الباقي، وحينئذ فقد يكون التركيب في نفس الحكم الثابت كما في المقام وقد يكون في متعلقه كما إذا تعلق الحكم بمقيد ثم نسخ ذلك، فإنه هل يحكم بارتفاعه عن خصوص القيد فيثبت المطلقة أو يحكم برفعه مطلقا، وقد يكون نحو التركيب في ثبوت الحكم كما لو ثبت حكم على وجه العموم ثم نسخ ذلك، فإنه هل يحكم برفعه كذلك؟ وإنما يحكم برفع القدر المحقق من جزئيات ذلك العام لارتفاع العموم به ويحكم ببقاء الباقي. ويجري البحث المذكور بالنسبة إلى نسخ الوجوب العيني فإنه هل يدل على رفع الوجوب من أصله أو إنما يفيد رفع عينيته، فلو احتمل وجوبه على سبيل التخيير بنى عليه بحكم الأصل، ثم إن نسخ الوجوب رفع له بطريق مخصوص. ويجري الكلام المذكور بعينه في ارتفاع الوجوب بغير نحو النسخ، كما إذا وجب شئ في حال ودل الدليل على ارتفاع الوجوب في حال أخرى فهل يحكم حينئذ ببقاء الجواز أو لا؟ وحيث عرفت جريان الكلام بالنسبة إلى ما يتعلق به الوجوب فيندرج في ذلك أيضا ما إذا تعلق الوجوب بوقت مخصوص، فإنه يرتفع ذلك الواجب قطعا بفوات وقته، وهل يحكم ببقاء الوجوب لأصل الفعل حتى لا يتوقف وجوب القضاء على أمر جديد أو يحكم بارتفاع الوجوب رأسا فيتوقف وجوب القضاء على أمر آخر؟ وقد عنونوا بعض المسائل المذكورة بعنوان مستقل إلا أنه بعد تفصيل القول في المسألة يتبين الحال في الجميع، ونحن نفصل الكلام في غيرها أيضا إن شاء الله في المباحث الآتية.