وقد ظهر بما قررناه ضعف ما قد يمنع في المقام من عدم جواز تصريح الشارع بجواز ترك المقدمة، إذ لا يعقل هناك مانع منه بعد البناء على عدم وجوبها لما قد عرفت من ظهور الوجه فيه لكنه لا يفيد الوجوب حسب ما حاوله المستدل.
هذا.
ويمكن تقرير الاستدلال بوجه آخر ينهض بإثبات المدعى وذلك بأن يقال:
إنه لا شك بعد مراجعة الوجدان في عدم جواز حكم العقل ولا الشرع بجواز ترك المقدمة من حيث أدائها إلى ترك ذي المقدمة، وكيف يجوز عاقل أن يوجب الشارع علينا الحج مثلا ثم يقول: " يجوز لكم ترك قطع المسافة إلى مكة " من حيث إنه يؤدي إلى ترك الحج؟ وهل يكون مفاد ذلك إلا تجويزه لترك الحج؟ فيتناقض الحكمان وهو بعينه مفاد الوجوب الغيري، إذ لولا وجوبها لأجل الغير لجاز الحكم بجواز تركها من الحيثية المذكورة وإن لم يجز من جهة أخرى فتأمل (1).
قوله: * (منع كون الذم على ترك المقدمة) *.
إن أريد منع كون الذم على ترك المقدمة بنفسها فلا ربط له بالمدعى، إذ ليس المأخوذ في الاحتجاج ورود الذم على تركها بالوجه المذكور وإلا لكان واجبا نفسيا لا غيريا، وإن أريد منع الذم على ترك المقدمة من حيث أدائها إلى ترك ذيها فهو واضح الفساد، كيف وتعلق الذم بتركها بالاعتبار المذكور من الواضحات كما مرت الإشارة إليه؟
ثم إن هنا حججا أخرى للقول بوجوب المقدمة قد أشار إليها غير واحد من الأجلة بعضها متينة وبعضها مزيفة ولا بأس بالإشارة إلى جملة منها:
منها: أن حقيقة التكليف هي طلب الفعل أو الترك من المكلف اتفاقا من الكل