- ثامنها - أن الخطابات المتعلقة بالأحكام الفرعية تعم المسلمين والكفار تكليفية كانت أو وضعية، فالكفار أيضا مكلفون بالفروع معاقبون عليها كالأصول وإن كانت مترتبة على الاسلام كترتب الإمامة في الأصول على النبوة، والنبوة على معرفة الحق سبحانه.
غاية الأمر اشتراط صحة العبادات من الفروع بالتصديق والإقرار بالأصول كاشتراط جملة من العبادات بالطهارات، فحصول الاسلام والإيمان من شرائط وجودها دون وجوبها، وإنما الشرط في وجوبها هو التمكن منهما.
وقد ذهب إلى ذلك علماؤنا حتى حكى عليه كثير منهم اجماعنا عليه وإن خالفهم في ذلك شرذمة من متأخري الأخباريين - كالمحدث القاساني في الوافي، والاسترابادي في الفوائد المدنية، وصاحب الحدائق - فإن ذلك لا يقدح في الاجماع المذكور. واختلفت العامة في ذلك على أقوال: فذهب كثير منهم إلى ما ذكرناه، وذهب بعضهم إلى اختصاص التكليف بالفروع بالمسلمين فلا يكلف الكافر إلا بأصول الدين وحكي اختياره عن أبي حنيفة.
وينبغي على هذا القول تخصيصه بغير ما يستقل به العقل من الأحكام السمعية المتوقفة على ثبوت الشرع.
وأما ما يستقل بإدراكه العقل - كحسن الإحسان، وقبح الظلم والعدوان، ووجوب شكر المنعم، والتحرز عن الضرر المخوف - فلا وجه للقول بتوقف التكليف به على الاسلام. كيف! ومن المعلوم أن القول بوجوب النظر في المعجزة والتأمل في الأدلة المفضية إلى معرفة الأصول مما يبتني على حكم العقل به تحرزا عن الضرر المخوف، فلو لم يكلف العبد بمثله لزم إقحام الأنبياء وإعذار معظم الكفار.
وعن بعضهم التفصيل في محل المسألة بين الواجبات والمحرمات، فزعم