فما يقال: من أن وجوب الفرد هناك وجوب تبعي من باب المقدمة وليست الطبيعة واجبة بالوجوب الأصلي النفسي مما لا وجه له، كما هو ظاهر من التأمل فيما قررناه.
نعم وجوب الخصوصية المأخوذة في الفرد الخاص بملاحظة ذاتها وجوب بالغير، إذ لم يتعلق الوجوب به كذلك، مثلا إذا قلت " النار حارة " كان ثبوت الحرارة لفرد النار من حيث إنه فرد منه ثبوتا أصليا بالذات، وكان ثبوته لغير ذلك من المفاهيم المتحدة به ثبوتا بالعرض من حيث اتحاد تلك الطبيعة، سواء كانت خصوصيات أو كانت مفاهيم عامة - كثبوت الحرارة للجسمية المطلقة، أو للجوهر، أو للممكن، أو الخشب ونحوها - فليس في المقام وجوبان، ينسب أحدهما إلى الطبيعة المطلقة، وآخر إلى الخصوصية أو الفرد بما ذكرنا أن الأفراد وإن كانت متعلقة للتكليف على حسب ما قررناه، إلا أن جهة التكليف بها أمر واحد هو الطبيعة المطلقة التي هي العنوان لتلك الأفراد فالفرق واضح.
- ثالثها - أنهم اختلفوا في أن الأمر بالأمر بالشئ هل هو أمر بذلك الشئ حتى يكون المأمور الثاني مأمورا من الأول أو لا؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه ليس أمرا بذلك الشئ، ذهب إليه جماعة منهم العلامة في النهاية والتهذيب، والآمدي في الإحكام، وحكاه في المنية عن المحققين.
وثانيهما: أنه أمر بذلك الشئ، حكاه في المنية عن قوم، واختاره بعض المتأخرين من أصحابنا.
ثم الظاهر أن الخلاف في المقام ليس من جهة الوضع، إذ لا مجال لتوهم القول بكون الأمر بالأمر بالشئ موضوعا لأمر المأمور بذلك الشئ. وكذا الظاهر أنه لا مجال للقول باستلزام الأمر بالأمر لذلك لزوما عقليا لا يمكن الانفكاك بينهما، وإنما الكلام حينئذ في اللزوم العرفي بحيث يستلزم الأمر بالأمر ذلك بحسب فهم العرف.