هناك عموم أو إطلاق يقضيان بلزوم الإتيان بذلك في جميع الأحوال تعين العمل به، وإلا فلا، عملا بالاستصحاب.
والصواب أن يقال: أنه لا تأمل في وجوب الإتيان بالفعل مطلقا، فإن سقوط الواجب بالعلم بأداء الآخر أو الظن به إنما هو من جهة الحكم بأداء ذلك الواجب، لا لكونه مسقطا له في نفسه، وليس ذلك إلا نظير ما إذا علم أو ظن بناء على اعتبار ظنه بأدائه للعمل الواجب عليه عينا فتبين له الخلاف مع عدم فوات وقت الواجب، فإن وجوب الإتيان بالفعل حينئذ يعد من الضروريات، ولا فرق بينه وبين المفروض في المقام أصلا.
بل نقول: إنه لو شك بعد علمه أو ظنه بأداء الآخر لفعله تعين عليه الإتيان به ، ولا وجه لاستصحاب السقوط في المقام، لما عرفت من أن السقوط المذكور إنما كان من جهة ثبوت أداء الواجب لا على وجه التعبد، فهو نظير استصحاب النجاسة في من تيقن نجاسة ثوبه ثم شك فيها من أصلها فإنه لا وجه لاستصحاب النجاسة كما قد يتوهم.
الحادي عشر: لو شرع بعضهم في الفعل فالظاهر سقوطه عن الباقين، بمعنى سقوط تعين الإتيان به أخذا بظاهر الحال، وأما أصل الوجوب فالظاهر عدم سقوطه إلا بالإتمام حسب ما مرت الإشارة إليه. نعم، لو كان المراد هو الفعل الواحد اتجه القول بسقوطه عنهم سقوطا مراعى بالإتمام، كما مرت الإشارة إليه.
ثاني عشرها: لو كان المؤدي للفعل مجتهدا مخالفا له في المسألة أو مقلدا لمن يخالفه فأتى بالفعل على وفق مذهبه فهل يقضى ذلك بسقوط الواجب عن غيره ممن يخالفه في الرأي، أو يقلد من يخالفه؟ وجهان:
من الحكم بصحة ما يأتي به على الوجه المذكور، لكونه مأمورا به في ظاهر الشريعة قاضيا ببراءة ذمة عامله، حتى أنه لا يجب عليه القضاء ولو عدل عن اجتهاده أو عدل المقلد عن تقليده بناء على جوازه، ولذا يعد ذلك الفتوى من حكم الله تعالى، ويندرج العلم به في الفقه حسب ما مر بيانه.