قلت: لا يخفى أن الظن المذكور لو احتمل كونه مانعا من تعلق التكليف بالمكلف على حسب ما ذكر كان قضية الأصل فيه هو التفصيل المذكور، لكن الحال ليس كذلك، فإن ثبوت التكليف بالفعل مما لا مجال للشك فيه، إنما الكلام في أداء المكلف به والحكم بأدائه، فالشك الحاصل في التكليف في المقام إنما هو من جهة الشك في أدائه، لا الشك في تعلق التكليف به، فهو نظير ما إذا علم بالكفائي وشك في قيام غيره به، فإن ذلك الشك لا يقضي بصحة جريان أصالة البراءة فيه وإن قارن الشك المفروض المذكور العلم به، نظرا إلى الشك في تعلق التكليف به بملاحظة ذلك، فكما أنه لا يجري الأصل في صورة الشك فكذا الحال في صورة الظن به مع عدم قيام دليل على حجية الظن.
والحاصل: أن الكلام في المقام في كون الظن المذكور طريقا إلى ثبوت حصول المأمور به من غيره ليكون قاضيا بأدائه، فيسقط الواجب من جهة أدائه، فإذا لم يقم دليل على حجية الظن في المقام كان قضية الأصل عدم الأداء، فلا بد من الحكم ببقاء التكليف به، ومجرد الاحتمال لا يقضي بالسقوط، فدعوى جريان أصالة البراءة فيه كما ترى.
التاسع: قد يتراءى من بعض العبارات الحكم بسقوط الكفائي مع الظن بقيام الغير به في المستقبل، وقد يستفاد ذلك من إطلاق جماعة، ومن الظاهر أن ذلك مما لا مساغ للمصير إليه، بل المتعين عدم السقوط ولو مع العلم بأداء الغير له في المستقبل، وكان مرادهم من ذلك سقوط التعيين ثمة لظن قيام الغير به في المستقبل، فلا يعاقب على تركه لو اتفق عدم أداء الآخر له، لعروض مانع ونحوه، لا أنه لا يجب عليه ذلك حينئذ على سبيل الكفاية، حتى أنه إذا تصدى لأدائه حينئذ لم يكن مؤديا للواجب الكفائي، لوضوح فساد القول به، لكن الإشكال في الاكتفاء بالظن المذكور في ما ذكرناه، وقضية الأصل عدم الاكتفاء به.
نعم، لو حصل الظن القوي على حسب مجاري العادات بقيام المطلعين عليه بذلك الواجب احتمل الاكتفاء به، نظرا إلى قيام السيرة عليه حسب ما ذكر في