ومن أن أقصى ما دل عليه الدليل هو الصحة في شأن العامل، فإن حجية ظن المجتهد إنما هي في شأنه وشأن من يقلده، وإنما يعد من حكم الله بالنسبة إليهما دون غيرهما، ولذا لا يحكم بصحته لو أتى به من عداهما، فسقوط التكليف الثابت في شأنه بالفعل المفروض الفاسد واقعا بحسب معتقده وإن حكم بصحته في شأن عامله يتوقف على قيام دليل عليه كذلك.
وبتقرير آخر: المكلف به في شأنه هو الفعل الواقع على وفق معتقده، فلا وجه لحصول البراءة عنه بالفعل الواقع على الوجه الآخر إلا أن يقوم دليل عليه، وأيضا فعل كل من المكلفين في الكفائي يقوم مقام فعل الآخر وينوب مناب فعله، والمفروض أن الفعل الواقع على الوجه المذكور غير مبرئ للذمة بالنسبة إلى غير ذلك العامل، ولا يمكن أن يقوم مقام فعله، إذ قيامه مقامه قاض بفساده، لكون المفروض فساد ذلك العمل لو فرض وقوعه منه.
وفيه: أن المكلف به في المقام ليس إلا شيئا واحدا وكل من ظنون المجتهدين طريق إليه شرعا، فإذا حصل الإتيان به على ما يقتضيه ظن أحدهم حصل أداء الواجب على الوجه المعتبر شرعا، وهو قاض بسقوط التكليف به عن الجميع وإن لم يكن ذلك طريقا بالنسبة إلى المجتهد الآخر ومقلده لو أراد العمل بنفسه، وهو لا ينافي كونه طريقا مقررا لو عمل به غيره، فالقائم مقام فعله هو الفعل المحكوم بصحته شرعا الواقع على النحو المعتبر في الشريعة ولو عند المجتهد المخالف له، وفساده على تقدير وقوعه من غيره لا ينافي قيام فعله مقام فعل ذلك الغير، فإن القائم مقام فعل ذلك الغير هو الفعل الصحيح الواقع على وفق الشريعة، مضافا إلى حصول البراءة به بالنسبة إلى العامل ومن يوافقه، وسقوط التكليف بذلك الفعل عنهم قطعا، فلا بد من الحكم بسقوطه عن الباقين، إذ المسقط للكفائي عن البعض مسقط عن الجميع، إذ ليس المطلوب إلا أداء ذلك الفعل في الجملة، فالمتجه إذا هو السقوط.
نعم، لو اختلف الفعلان في النوع أشكل الحال في السقوط، كما إذا وجب