ومما يوضح ما ذكرناه أنه قد احتج جماعة من الخاصة والعامة في مبحث المجمل والمبين على نفي الاجمال في: " لا صلاة إلا بطهور " ونحوه بأن مفاد العبارة نفي الحقيقة وهو ممكن، وقد أخبر الشارع به فيحمل على الحقيقة ولم يتفوه أحد هناك بمنع دلالة العبارة على ذلك حتى أن من ذهب إلى الاجمال فيها لم يتشبث بذلك بل ادعى صدق الصلاة على الفاسدة، فأثبت بذلك عدم إمكان صرف النفي إلى الحقيقة، فالتزم بصرف النفي إلى الصفة، وحينئذ بنى على إجمال العبارة من جهة تعدد الصفات كالكمال والصحة، ولم يقع منهم مناقشة في دلالتها على نفي الحقيقة كما هو معلوم من ملاحظة الباب المذكور من كتب الأصول.
ومن غريب الكلام ما ذكره بعض الأعلام في المقام حيث استشهد على عدم دلالة العبارة المذكورة على نفي الحقيقة بأنه لم يتمسك أحد من العلماء الفحول في ذلك المبحث لإثبات نفي الاجمال بأصالة الحقيقة وتمسكوا بكونها موضوعة للصحيحة من العبادات، لما عرفت من أن الحال على خلاف ما ذكره مصرحين بخلافه وهي مذكورة في معظم الكتب الأصولية منصوص به في كلام الأجلة ولولا مخافة الإطناب في الكلام لذكرنا جملة من عبائرهم في المقام.
ثم الظاهر أنها في معظم الموارد التي لم يرد بها نفي الحقيقة على الحقيقة فإنما أريد بها ذلك أيضا على سبيل المبالغة فإن المقصود بالتعبير المذكور حصر الموضوع في المحمول ادعاء، جعلا لما عداه بحكم العدم كما هو واضح بعد ملاحظة موارد تلك الاستعمالات.
ومجرد شيوع استعمالها كذلك لا يوجب هجر وضعها لنفي الحقيقة ونقلها إلى نفي الصفة، إذ المفروض ابتناء المعنى المذكور عليه وعدم استفادة ما هو المقصود إلا بذلك.
على أنه لو ادعي النقل أو الشهرة فإنما يدعى في نحو " لا صلاة إلا بطهور " حيث إن له نظائر كثيرة استعملت في المعنى المذكور، وأما نحو " لا صلاة له، ولا صيام له " ونحوهما كما في عدة من الأخبار المذكورة وغيرها فلا وجه لهذه