ثانيها: (1) أنهم اختلفوا في كون الطلب المدلول للأمر نفس الإرادة أو غيرها، فالمحكي عن أصحابنا والمعتزلة هو الأول، وعن الأشاعرة القول بالثاني.
واحتج العلامة (رحمه الله) على ذلك بأنا لا نجد في الأمر أمرا آخر مغايرا للإرادة، إذ ليس المفهوم منه إلا إرادة الفعل من المأمور، ولو كان هناك معنى آخر لا ندركه، فلا شك في كونه أمرا خفيا غاية الخفاء حتى أنه لا يعقله إلا الآحاد، فلا يجوز وضع لفظ " الأمر " المتداول في الاستعمالات بإزاء مثله، بناء على ما تقرر من عدم وضع الألفاظ الدائرة في الاستعمالات بإزاء المعاني الخفية التي لا يدركها إلا الخواص.
وربما يحتج عليه أيضا بأن المتبادر من الأمر هو إرادة الفعل من المأمور، فيكون حقيقة فيها وقضية ذلك اتحادها مع الطلب، إذ لا قائل مع القول بدلالة الأمر عليها وضعا بالتغاير بينهما.
واحتجت الأشاعرة بوجوه:
أحدها: أن الله تعالى أمر الكافر بالإيمان إجماعا ولم يرده منه لوجهين:
أحدهما: أنه يستحيل منه وقوع الإيمان وإرادة المستحيل من العالم بحاله مستحيلة، والمقدمة الثانية ظاهرة، وأما الأولى فلعلمه تعالى بعدم صدوره منه فلو فرض صدور الإيمان منه لزم انقلاب علمه تعالى جهلا، وهو محال، فالمقدم مثله والملازمة ظاهرة.
ثانيهما: أن صدور الكفر من الكافر لا بد أن يستند إلى سبب، وذلك السبب لا بد أن ينتهي إلى الواجب لاستحالة التسلسل وايجاده تعالى لذلك السبب يستدعي إرادة وقوع الكفر منه، لكون إرادة السبب مع العلم بسببيته إرادة لمسببه، فيستحيل منه إرادة ضده لاستحالة إرادة الضدين، فإنه من قبيل اجتماع الضدين.
ثانيها: أنه يصح أن يقول القائل لغيره: " أريد منك الفعل ولا آمرك به " من دون تناقض بين القولين.