الكل عرفا بعد فرض الجزئية إنما هو من باب المسامحة العرفية، ولا يناط بها الأحكام الشرعية، كما قرر في محله، وإن فرض كونه جزء من المسمى لا مأخوذا في التسمية فليس المسمى خصوص ذلك المفروض كلا حسب ما قررناه آنفا، فانتفاء ذلك الجزء لا يستلزم انتفاء أصل المسمى عقلا ولا عرفا، وهو كلام آخر وقد يرجع كلامه إلى ذلك، إلا أن ظاهر تعبيره بما ذكر يأباه كما لا يخفى.
المقام الثالث في بيان حجج الأقوال المذكورة:
أما القول بكونها للصحيحة فيحتج له بوجوه:
الأول: التبادر فإن أسامي العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والوضوء والغسل والتيمم وغيرها إذا أطلقت عند المتشرعة انصرفت إلى الصحيحة، ألا ترى أنك إذا قلت: " صليت الصبح أو صمت الجمعة أو توضأت أو اغتسلت " لم ينصرف إلا إلى الصحيح من تلك الأعمال ولم يفهم منها في عرف المشترعة إلا ذلك، فاطلاق تلك الألفاظ لا ينصرف إلا إلى الصحيحة ولا يحمل على الفاسدة إلا بالقرينة، كما هو واضح من ملاحظة الإطلاقات الدائرة، وذلك من أقوى الأمارات على كونها حقيقة في الأولى مجازا في الثانية.
ومما يوضح ذلك أن المتشرعة إنما يحكمون بكون الصلاة وغيرها من الألفاظ المذكورة عبارة عن الأمور الراجحة والعبادات المطلوبة لله تعالى ولا يجعلونها أسامي لما يعم الطاعة والمعصية فقد تكون طاعة وقد تكون معصية بل الأغلب فيها المعصية، بل لا يمكن عدها مطلقا من الطاعات أصلا، إذ لا يتعلق الأمر حينئذ بما هو مفهوم الصلاة مثلا وإنما يتعلق ببعض أنواعها خاصة، وكأن هذا بين الفساد بعد الرجوع إلى عرف المتشرعة، إذ لا يعدون الصلاة والزكاة ونحوهما إلا من الطاعات والعبادات.
وأورد عليه بأن تبادر الصحيحة من تلك الألفاظ مسلم، إلا أنه ليس كل تبادر أمارة على الحقيقة بل ما لا يكون لغير اللفظ فيه مدخلية فإن سبق المعنى من اللفظ إذا استند إلى مجرد إطلاقه من غير ملاحظة شئ من الأمور الخارجية معه دل