بقي الكلام في المقام في بيان أمور تتعلق بالمرام.
أحدها: أنهم اختلفوا في اعتبار العلو أو الاستعلاء وعدمه في صدق الأمر على أقوال:
ومنها: اعتبار الاستعلاء سواء كان عاليا بحسب الواقع أو مساويا أو دانيا، وهو المحكي عن جماعة من الخاصة والعامة، منهم الفاضلان والشهيد الثاني وشيخنا البهائي وأبو الحسين البصري والرازي والحاجبي والتفتازاني وغيرهم، وعزي إلى أكثر الأصوليين بل حكى الشيخ الرضي الاجماع على أن الأمر عند الأصولي صيغة " افعل " الصادرة على جهة الاستعلاء، وعزي ذلك أيضا إلى النحاة وعلماء البيان.
ومنها: اعتبار العلو خاصة، وعزي إلى السيد وجمهور المعتزلة وبعض الأشاعرة.
ومنها: اعتبار العلو والاستعلاء معا، واختاره بعض المتأخرين في ظاهر كلامه وحكاه عن جماعة.
ومنها: عدم اعتبار شئ منهما، وعزاه في النهاية إلى الأشاعرة، ويظهر ذلك من العضدي، ويعزى إلى ظاهر البيضاوي والإصفهاني.
والأظهر حسب ما أشرنا اليه اعتبار أحد الأمرين من العلو أو الاستعلاء، لكن لا بد في الأول من عدم ملاحظة خلافه باعتبار نفسه مساويا للمأمور أو أدنى منه.
ويدل على ذلك ملاحظة العرف أما صدقه مع الاستعلاء وإن خلا من العلو فلظهور صدق الأمر بحسب العرف على طلب الأدنى من الأعلى على سبيل الاستعلاء، ولذا قد يستقبح منه ذلك ويقال له: " ليس من شأنك أن تأمر من هو أعلى منك " وقد نص عليه جماعة.
وأما الاكتفاء بالعلو الخالي عن ملاحظة الاستعلاء فلان من الظاهر في العرف إطلاق الأمر على الصيغ الصادرة من الأمير إلى الرعية والسيد بالنسبة إلى العبد وإن كان المتكلم بها غافلا عن ملاحظة علوه حين الخطاب كما يتفق كثيرا.