الظنون لانسداد طريق العلم فيها غالبا، وأما مع عدم حصول الظن فلا معول عليهما في إثبات الوضع في الأزمنة المتقدمة أو المتأخرة، إذ لا دليل على الرجوع إليهما في المقام على سبيل التعبد.
ومن هنا يظهر القدح في الاحتجاج المعروف لنفي الحقيقة الشرعية من الاستناد إلى أصالة بقاء المعاني اللغوية في عهد الشارع، إذ لا أقل من الشك في بقائها بعد اشتهار الخلاف في ثبوت الحقيقة الشرعية وقيام بعض الشواهد على خلافه كما لا يخفى بعد الرجوع إلى الوجدان.
عاشرها: التبادر وهو سبق المعنى إلى الذهن من نفس اللفظ وإنما اعتبرنا أن يكون السبق إلى الذهن من مجرد اللفظ احترازا عما يكون بواسطة الخارج، إما من القرائن الخاصة، أو العامة، أو مع انضمامها إليه مع الشك في استناد الفهم إلى نفس اللفظ إذ لا يكون ذلك أمارة على الحقيقة.
والوجه في كون التبادر على الوجه المذكور أمارة على الحقيقة: أن فهم المعنى من اللفظ إما أن يكون بتوسط الوضع، أو القرينة، لانحصار وجه الدلالة فيهما لوضوح بطلان القول بالدلالة الذاتية، فإذا كان انفهام المعنى من اللفظ بمجرد سماعه من دون إنضمام قرينة إليه دل على حصول الوضع له من قبيل دلالة اللازم المساوي على وجود ملزومه، وهذا بخلاف ما لو انضم إليه شئ من القرائن، لاحتمال استناد الفهم حينئذ إليها فلا يدل على خصوص الحقيقة، لحصول مطلق الفهم في المجاز أيضا فهو لازم أعم، لا دلالة فيه على خصوص الملزوم.
ومن هنا يظهر أنه لو احتمل وجود القرينة في المقام واستناد الفهم إليها احتمالا مساويا لاحتمال عدمها لم يحكم بالحقيقة على نحو ما لو وجدت القرينة ولم يعلم استناد الفهم إليها أو إلى اللفظ. ومجرد دفع احتمال وجود القرينة بالأصل غير مفيد في المقام، إذ المدار في إثبات الأوضاع على الظنون.
نعم، إن حصل منه أو من غيره ظن بانتفاء القرينة فالظاهر البناء عليه، كما لو ظن باستناد الفهم إلى مجرد اللفظ وإن انضم إليه بعض القرائن.