لواضعه للأول، ولو بالاعتبار من جهة اختلاف العرف الذي وقع الوضع فيه، سواء حصل هناك هجر للمعنى الأول أو لا، فتأمل.
وحيث إن المصنف (رحمه الله) اقتصر في مباحث الألفاظ على قليل من مطالبها وكان هناك فوائد عديدة تليق بالإشارة إليها ومطالب جمة يتوقف كثير من المباحث المتعلقة بالألفاظ عليها كان الحري الإشارة إلى ما يسع المقام لذكرها، ولنضع ذلك في فوائد:
الأولى أن دلالة اللفظ على المعنى قد تكون بالوضع وقد تكون بغيره، فمن الأول دلالة اللفظ على ما استعمل فيه من المعاني المطابقية الحقيقية، ومن الثاني دلالته على المعاني التضمنية والإلتزامية، فإن دلالته عليها من جهة استلزام الكل لجزئه والملزوم للازمه، وهو إنما يأتي من جهة العقل من غير ارتباط له بالوضع، وقد يجعل دلالته عليها وضعية لتوقفها على الوضع، وهو الذي اعتبره المنطقيون فحكموا بكون الدلالات الثلاث وضعية، وأما ما ذكرناه فهو المذكور في كتب البيان، وهو الأنسب بالمقام.
وكيف كان، فهذا بحث لفظي لا طائل تحته، فإنه إن فسرت الدلالة الوضعية بما يكون للوضع مدخلية في حصولها سواء كانت بلا واسطة أو معها اندرج ذلك في الوضعية، ضرورة توقفها على الوضع، إذ دلالة اللفظ على المعاني التضمنية والإلتزامية فرع الدلالة على المعنى المطابقي المتوقف على الوضع.
وإن فسرت بما يكون مستندا إلى الوضع ابتداء - كما هو الأظهر في معناها - لم تكن من الوضعية.
وقد يقال بالتفصيل بين التضمنية والالتزامية، إذ ليست الدلالة على المعنى المطابقي إلا عين الدلالة على أجزائه، والمفروض أن الأولى وضعية، فتكون دلالته على الأجزاء أيضا كذلك، وهذا بخلاف الالتزام.