ورابعها: الترديد بالقرائن وملاحظة مواقع الاستعمال، وهو طريقة معروفة في الأوضاع كما في الأطفال يتعلمون اللغات والجاهلين بالأوضاع يتعلمونها عن أربابها، وهو أيضا قد يفيد القطع وقد يفيد الظن، ويمكن إدراج بعض صوره في الاستقراء. وقد يجعل الاستناد في بعضها إلى الوجه الآتي، إلا أن الظاهر أن في الترديد بالقرائن زيادة دلالة على الوضع بالنظر إلى ما سنذكره من الأصل، فهو وجه آخر يغاير الوجوه المذكورة.
خامسها: أصالة الحقيقة فيما إذا استعمل اللفظ في معنى مخصوص ولم يعلم كونه موضوعا بإزائه أو مستعملا فيه على سبيل المجاز على المعروف من المذهب مع اتحاد المستعمل فيه أو تعدده والعلم بكونه مجازا في غيره، بل ظاهر الأصوليين الإطباق على الحكم بدلالته على الحقيقة، وإنما اختلفوا فيما إذا تعدد المستعمل فيه.
وقد ذهب السيدان (رحمهما الله) وغيرهما من المتقدمين إلى جريان الأصل المذكور في ذلك أيضا، ولذا اشتهر عنهم تقديم الاشتراك على المجاز كلما دار الأمر بينهما بعد ورود الاستعمال في المعنيين، وجروا على ذلك في إثبات ما يدعونه من الاشتراك في المباحث الآتية.
والمشهور تقديم المجاز عليه، ولذا قالوا: " إن الاستعمال أعم من الحقيقة " يعنون به مع تعدد المعنى، فلا يتوهم منافاة بينه وبين الأصل المذكور، فهناك موردان لإجراء أصل الحقيقة:
أحدهما: فيما إذا علم الموضوع له وشك في المعنى المراد.
وثانيهما: إذا علم المستعمل فيه وشك في الموضوع له مع اتحاد ما استعمل اللفظ فيه مما يحتمل تعلق الوضع به، ومورد للحكم بكون الاستعمال أعم من الحقيقة وهو ما إذا تعدد المستعمل فيه الذي يحتمل الوضع له.
وقد خالف فيه الجماعة المذكورة فحكموا هناك أيضا بأصالة الحقيقة فهم ينكرون القاعدة الأخيرة ولا يقولون بها في شئ من المقامات، وقد مر الكلام