قد يقال: إن دعوى تبادر تلك المعاني منها لما كانت من قدماء الأصوليين وكانت أعصارهم قريبة من عهد الشارع فلا يبعد علمهم بالحال بالنسبة إلى زمانه (صلى الله عليه وآله)، فمجرد منعه من التبادر من جهة بعد العهد وخفاء الحال لا يكون دافعا للاستدلال بالنسبة إليهم مع علمهم بها، بل هو الظاهر عندنا أيضا، كما يظهر من تتبع موارد استعمالاتها في المنقول من كلام الشارع والمتشرعة في ذلك العصر، غاية الأمر أن لا يتم ذلك بالنسبة إلى كل الألفاظ فيتم الاحتجاج بعدم القول بالفصل حسب ما مر.
قوله: * (لفهمها المخاطبين بها) * فيه: أن ذلك إنما يلزم لو قلنا بحصول النقل على سبيل التعيين وأما لو قيل به على سبيل التعين فلا، بل ملاحظة الغلبة كافية بالنسبة إليهم والى من بعدهم ممن يقف على استعمالاتهم، كما هو الحال في سائر المنقولات الحاصلة بالغلبة سيما إذا قلنا باستناد النقل إلى مجموع استعمالات الشارع والمتشرعة.
وأورد عليه أيضا بأن ما يقضي به الوجه المذكور لإثبات هذه المقدمة هو وجوب تفهيم المراد من تلك الألفاظ، وهو كما يحصل ببيان الوضع كذا يحصل ببيان المراد من الألفاظ المذكورة، وقد حصل ذلك بالبيانات النبوية حيث روي في تفسير الألفاظ المستعملة في غير المعاني اللغوية أحاديث كثيرة.
وأجيب عنه بأن ثمرة الخلاف إنما تظهر في الألفاظ الخالية عن القرينة المتصلة أو المنفصلة كما سبق، فلو ثبت نقل الشارع لهذه الألفاظ من معانيها اللغوية كانت تلك المعاني مرادة من الألفاظ الخالية عن القرينة كما هو شأن الحقائق، فلا بد إذن من بيان كون تلك المعاني مرادة، وذلك إما ببيان المراد، أو بيان الوضع، والمفروض انتفاء الأول فتعين الثاني وهو ما أردناه.
وأجيب أيضا بأن فائدة الوضع أن يستغنى عن القرينة في الاستعمال، إذ لو نصب القرينة كلما استعمل في تلك المعاني لعرى الوضع عن الفائدة، ومن البين أنه مع عدم إفهام الوضع وإعلامه المخاطبين لا يستغنى عن القرينة في الاستعمال.