ومن ذلك يظهر الجواب عما ذكر من دعوى تبادره فيما ذكروه، لعدم استناده إلى نفس اللفظ حتى يقوم دليلا على الوضع، وقد يرجع إلى ذلك كلام القائلين بالاتحاد فيعود النزاع لفظيا، إلا أنه لا يخلو عن بعد.
ثم إن هذه المسألة هي مبنى ما ذهب اليه الأشاعرة من جواز الأمر بالشئ مع علم الآمر بانتفاء شرطه، وما ذهبوا اليه من جواز النسخ قبل حضور وقت العمل به، وظاهر الأصحاب المنع من الأمرين، وسيجئ توضيح الكلام فيهما إن شاء الله تعالى.
وعليها يبتنى أيضا ما ذهبوا اليه من جواز التكليف بالمحال نظرا إلى تسليمهم امتناع إرادة المحال، فتجويزهم للتكليف بالمحال إنما هو من جهة بنائهم على المغايرة وعدم الملازمة بين التكليف والإرادة.
والحق هناك المنع على التقدير المذكور أيضا على حسب ما نبينه في محله إن شاء الله تعالى.
ثالثها: (1) المحكي عن أكثر علمائنا وكافة الأشاعرة وبعض المعتزلة القول بعدم اشتراط الإرادة في دلالة الأمر على الطلب، فهو يدل عليه بالوضع، وعن الجبائيين القول باشتراط دلالة الأمر على الطلب بإرادته فلا دلالة فيه عليه إلا معها.
وأنت خبير بوهن الخلاف المذكور على ظاهره، وكأنه نظير ما حكي من القول باشتراط دلالة الألفاظ على معانيها بالإرادة وهو بظاهره قول سخيف لا يليق صدوره من أهل العلم، فإنه إن أريد توقف الدلالة على إرادة المعنى بحسب الواقع فهو غير معقول، إذ لا يعقل ترتبه على ذلك بل الأمر بالعكس.
وإن أريد توقفها على قيام دليل على إرادته فهو كسابقه في الفساد، إذ المقصود من وضع الألفاظ الانتقال إلى مراد المتكلم بواسطتها، فلو توقفت دلالتها على العلم بالمراد لم يعقل فائدة في وضعها بل لزم الدور، فلا يبعد إذن تنزيل كلام القائل باشتراط الإرادة على ما لا يخالف ذلك.
وقد يحمل ذلك على إرادة توقف دلالة اللفظ على معناه على كونه مرادا