فعلم بجميع ذلك صحة ما نصرناه ويدل أيضا على صحة ما قدمناه: خبر معاذ وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: (بم تقضى؟ قال: بكتاب الله ثم قال: بسنة رسول الله (1). فقال له عليه السلام فان لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي) (2) (3) فصوبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وهذا يقتضى ان القياس انما يسوغ استعماله إذا لم يوجد في الكتاب ما يدل على الحكم الذي يستعمل فيه فمتى وجد فيه بطل استعماله وإذا بطل استعماله لم يصح أن يخص به العموم لان القياس الفاسد لا خلاف انه لا يخص به العموم.
وليس لهم أن يقولوا: ان المراد بذلك ان لم أجد في كتاب الله نصا على المسألة اجتهدت رأيي فاما إذا كان فيه عموم فإنه لا يمتنع اجتهاد الرأي معه لأنه إذا خص بالقياس كان ما استعمل فيه القياس غير موجود في الكتاب.
وذلك أن هذا الذي ذكروه تخصيص للخبر لأنه انما صوبه في استعمال القياس إذا لم يكن الحكم موجودا في الكتاب والسنة وقد يكون الحكم ثابتا فيهما بنص معين ويكون أيضا موجودا بأن يكون داخلا في العموم فمن خص الخبر بأحدهما احتاج إلى دلالة.
وفي الناس من استدل على صحة ما ذهبنا إليه بأن قال: القياس فرع على النص من عموم وغيره فمتى اعترض به عليه كان قد اعترض على الأصل بفرعه وهذا لا يجوز (4).