وذلك انا قد بينا الجواب عن مثل هذا السؤال في الباب الأول (1) بأن قلنا: خبر الواحد دليل شرعي وكذلك نقول ان القياس دليل شرعي فينبغي أن يثبت في الموضع الذي استعملته الصحابة وقررته الشريعة وانما ثبت عنهم - على زعمهم - استعمل القياس فيما لا نص فيه من احكام الحوادث.
ولا يمكنهم أن يدعوا انهم استعملوه فيما يخص العموم.
لان هذه الدعوى لا برهان عليها ودون ذلك خرط القتاد.
ويدل أيضا على ذلك: ان النسخ قد ثبت انه لا يجوز به فكذلك يجب أن يكون حكمه حكم التخصيص.
وليس لهم ان يقولوا: لا يجوز من الحكيم تعالى أن ينزل نصا ويجعل القول به والعمل بمقتضاه موقوفا على اجتهادنا وانما يسوغ الاجتهاد (2) في صرفه إلى وجه دون وجه.
فان قالوا: هذا الذي ذكرتموه من الجواب عن هذا السؤال يمكن أن يجعل فرقا بين النسخ وتخصيص العموم وسقط بذلك أصل الدليل.
وذلك انهم إذا جعلوا ذلك فرقا بين التخصيص والنسخ.
قيل لهم: لا فرق بين النسخ والتخصيص في المعنى لان التخصيص هو: (اخراج بعض ما يتناوله لفظ العموم من الأعيان منه) والنسخ: (اخراج بعض ما يتناوله دليل النص من الأزمان منه) فهما سواء في المعنى فما منع من أحدهما منع من الاخر.
على أنه لا يمكن أن يجوز النسخ بالقياس الا من يقول بتخصيص العلة ومن لم يجز تخصيص العلة لا يمكنه ارتكابه على حال.
وقد أجاب بعض أصحاب الشافعي (3) عما ألزمناهم: بان النسخ انما لم يصح