المدارس الكلامية والفقهية، وكان يتأرجح بين الحرية والتزمت تبعا لموقف السلطة الفعلية منه، وكان أهم مظهر له هو الصراع بين النزعة السلفية والنزعة العقلية، وربما انعكس هذا الصراع على الواقع العملي للناس، وكانت السلطة في الخلافة العباسية قد انحازت - خصوصا منذ عصر المتوكل على الله (247 - 232 ه) - إلى الاتجاه السلفي المتشدد، وأخذت تضطهد الفئات الأخرى المخالفة له وفي مقدمتها المعتزلة والشيعة ومن على شاكلتهم ممن له ميول فلسفية ونزعة إلى التوفيق بين أحكام العقل وأحكام الشرع، وقد انتهز السلفيون المتشددون فرصة موقف الخلافة هذا فزادوا في تقوية نفوذهم، وصاروا يفرضون آراءهم على الناس بالقوة، ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، سواء ما يتعلق بشؤون الأفراد أم الدولة، حتى كانوا حكومة داخل حكومة، فزالت هيبة الدولة ووقعت الفتن والإضطرابات داخل الدولة مما أدى إلى استقلال الأمر بأطرافها وأجزائها، ولم يبق للخليفة العباسي سوى بغداد ونواحيها ما بين دجلة والفرات، فاضطر الخليفة المستكفي بالله العباسي (334 - 333 ه) إلى دعوة البويهيين لتسلم السلطة في العراق، ووضع حد للأرتباك والفوضى، والتخلص من نفوذ الأتراك، وكان البويهيون آنذاك قوة نامية في شرق مملكة الاسلام. ودخل البويهيون بغداد سنة 334 ه فسلكوا سبيلا وسطا تجاه جميع الميول والاتجاهات والفرق فلم يتحزبوا لفئة معينة على حساب فئة أخرى، ولم ينحازوا إلى رأي خاص، بل تركوا الناس أحرارا في معتقداتهم وآرائهم، وذلك إنهم كانوا يدركون أنهم رجال دولة، وأرباب سياسة، وأن همهم الأكبر يجب أن يتجه إلى إقرار الأمن
(مقدمة ٢٨)