الشيخ الطوسي خراسان إلى بغداد من جديد، إذا وصلت إلى بغداد موجة جديدة من الأتراك الأجلاف المتعصبين الجهلة الذين لم يكن لهم هم سوى السلب والنهب والاستيلاء على مقاليد السلطة، فأحرقوا في طريقهم من خراسان وما وراء النهر إلى الري والعراق دور العلم والمكتبات والمدارس وأعدموا الفلاسفة والمتكلمين والمثقفين والعقلانيين، وأماتوا الثقافة الاسلامية الناهضة، وأحيوا الجهل والخرافة، وزكوا نار العصبية والسلفية. وهذا الموجة كانت موجة السلاجقة وعلى رأسهم طغرل بيك فهو بدأ حملته صوب غرب خراسان منذ سنة 429 ه فاستولى على بلخ وجرجان وطبرستان والخوارزم، وخلال فترة سنة 433 ه ولغاية 437 ه مد نفوذه وسلطانه على بلاد الجبل وهمدان والري ودينور وحلوان وأصفهان، وفي سنة 477 ه (- 1055 م) دخل بغداد فاتحا، وهكذا فتحت بدخول قواته صفحة جديدة من تاريخ مدينة السلام. وكان المستهدف الأول من بين أهداف السلاجقة هم الشيعة ومدارسها ودور علمها واعلامها، وفي سنة 448 ه اشتدت الفتن وبلغ العنف والقتل والإحراق ذروته، وبعد ان أحرقت دور الشيعة وبعض محالها وصلت النوبة إلى الشيخ الطوسي فقد كبست داره ونهبت وأحرقت، كما وأحرقت كتبه وآثاره ودفاتره، وأحرق كرسي التدريس الذي كان قد منحه إياه الخليفة العباسي القائم بأمر الله، وقتل أبو عبد الله الجلاب (وهو من علماء الشيعة) على باب دكانه. وكانت الخلافة العباسية وأجهزتها عاجزة عن اقرار الأمن والنظام إذ كانت أنذاك في ضعيف وتدهور حيث فقدت هيبتها وسلطانها على النفوس، هذا فضلا عن ان بعض السلفيين المتشددين الذين
(مقدمة ٢٦)