الكفور) أي عاقبناهم بكفرهم قال مجاهد ولا يعاقب إلا الكفور وقال الحسن البصري صدق الله العظيم لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور وقال طاوس لا يناقش إلا الكفور وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو عمر بن النحاس الرملي حدثنا حجاج بن محمد حدثنا أبو البيداء عن هشام بن صالح التغلبي عن ابن خيرة وكان من أصحاب علي رضي الله عنه قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة والضيق في المعيشة والتعسر في اللذة قيل وما التعسر في اللذة؟ قال لا يصادف لذة حلالا إلا جاءه من ينغصه إياها.
وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين (18) فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (19) يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمة والغبطة والعيش الهنئ الرغيد والبلاد المرضية والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها بحيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء بل حيث نزل وجد ماء وثمرا ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم ولهذا قال تعالى (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) قال وهب بن منبه هي قرى بصنعاء وكذا قال أبو مالك وقال مجاهد والحسن وسعيد بن جبير ومالك عن زيد بن أسلم وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد وغيرهم يعني قرى الشام يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة وقال العوفي عن ابن عباس القرى التي باركنا فيها بيت المقدس وقال العوفي عنه أيضا هي قرى عربية بين المدينة والشام (قرى ظاهرة) أي بينة واضحة يعرفها المسافرون يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى ولهذا قال تعالى: (وقدرنا فيها السير) أي جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) أي الامن حاصل لهم في سيرهم ليلا ونهارا (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم) وقرأ آخرون (بعد بين أسفارنا) وذلك أنهم بطروا هذه النعمة كما قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وغير واحد وأحبوا مفاوز ومهامه يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في الحرور والمخاوف كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج الله لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها مع أنهم كانوا في عيش رغيد في من وسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس مرتفعة ولهذا قال لهم (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله) وقال عز وجل (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها) وقال تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) وقال تعالى في حق هؤلاء (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم) أي بكفرهم (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) أي جعلناهم حديثا للناس وسمرا يتحدثون به من خبرهم وكيف مكر الله بهم وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنئ تفرقوا في البلاد ههنا وههنا ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ وتفرقوا شذر مذر وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال سمعت أبي يقول سمعت عكرمة يحدث بحديث أهل سبأ قال (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال - إلى قوله تعالى - فأرسلنا عليهم سيل العرم) وكانت فيهم كهنة وكانت الشياطين يسترقون السمع فأخبروا الكهنة بشئ من أخبار السماء فكان فيهم رجل كاهن شريف كثير المال وأنه خبر أن زوال أمرهم قد دنا وأن العذاب قد أظلهم فلم يدر كيف يصنع لأنه كان له مال كثير من عقار فقال لرجل من بنيه وهو أعزهم أخوالا يا بني إذا كان غدا