ذلك قال الله تعالى (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) وقال تبارك وتعالى: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) وقال عز وجل (ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا) وقد أخبر الله عز وجل عن صاحب تينك الجنتين أنه كان ذا مال وثمر وولد ثم لم يغن عنه شيئا بل سلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة ولهذا قال عز وجل ها هنا (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) أي يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب فيفقر من يشاء ويغني من يشاء وله الحكمة التامة البالغة والحجة القاطعة الدامغة (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ثم قال تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) أي ليست هذه دليلا على محبتنا لكم ولا اعتنائنا بكم. قال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا كثير حدثنا جعفر حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ورواه مسلم وابن ماجة من حديث كثير بن هشام عن جعفر بن برقان به ولهذا قال الله تعالى: (إلا من آمن وعمل صالحا) أي إنما يقربكم عندنا زلفى الايمان والعمل الصالح (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) أي تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف (وهم في الغرفات آمنون) أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ومن كل شر يحذر منه. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي حدثنا القاسم وعلي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها " فقال أعرابي لمن هي؟ قال صلى الله عليه وسلم " لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام " (والذين يسعون في آياتنا معاجزين) أي يسعون في الصد عن سبيل الله واتباع رسله والتصديق بآياته (فأولئك في العذاب محضرون) أي جميعهم مجزيون بأعمالهم فيها بحسبهم. وقوله تعالى: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) أي بحسب ماله في ذلك من الحكمة يبسط على هذا من المال كثيرا ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدا وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره كما قال تعالى: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) أي كما هم متفاوتون في الدنيا هذا فقير مدقع وهذا غنى موسع عليه فكذلك هم في الآخرة هذا في الغرفات في أعلى الدرجات وهذا في الغمرات في أسفل الدرجات وأطيب الناس في الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " رواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقوله تعالى: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) أي مهما أنفقتم من شئ فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل وفي الآخرة بالجزاء والثواب كما ثبت في الحديث " يقول الله تعالى أنفق أنفق عليك " وفي الحديث أن ملكين يصبحان كل يوم يقول أحدهما اللهم أعط ممسكا تلفا ويقول الآخر: اللهم أعط منفقا خلفا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي عن يزيد بن عبد العزيز الفلاس حدثنا هشيم عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال بلغني عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض يعض الموسر على ما في يده حذار الانفاق " ثم تلا هذه الآية (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا روح بن حاتم حدثنا هشيم عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال بلغني عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض يعض الموسر على ما في يده حذار الانفاق " قال الله تعالى: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) وفى الحديث " شرار الناس يبايعون كل مضطر ألا إن بيع المضطرين حرام ألا إن بيع المضطرين حرام المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله إن كان عندك معروف فعد به على أخيك وإلا فلا تزده هلاكا إلى هلاكه " هذا حديث غريب من هذا الوجه وفى إسناده ضعف وقال سفيان الثوري عن أبي يونس الحسن بن يزيد قال: قال مجاهد لا يتأولن أحدكم هذه الآية (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) إذا كان عند
(٥٤٩)