وأمرتك بأمر فلا تفعله فإذا انتهرتك فانتهرني فإذا لطمتك فالطمني قال يا أبت لا تفعل إن هذا أمر عظيم وأمر شديد، قال يا بني قد حدث أمر لا بد منه فلم يزل به حتى وافاه على ذلك فلما أصبحوا واجتمع الناس قال يا بني افعل كذا وكذا فأبى فانتهره أبوه فأجابه فلم يزل ذلك بينهما حتى تناوله أبوه فلطمه فوثب على أبيه فلطمه فقال ابني يلطمني؟ علي بالشفرة قالوا ما تصنع بالشفرة؟ قال أذبحه قالوا تريد أن تذبح ابنك؟ الطمه أو اصنع ما بدا لك قال فأبى قال فأرسلوا إلى أخواله فأعلموهم ذلك فجاء أخواله فقالوا خذ منا ما بدا لك فأبى إلا أن يذبحه قالوا فلتموتن قبل أن تذبحه قال فإذا كان الحديث هكذا فإني لا أرى أن أقيم ببلد يحال بيني وبين ابني فيه اشتروا مني دوري اشتروا مني أرضي فلم يزل حتى باع دوره وأرضه وعقاره فلما صار الثمن في يده وأحرزه قال: أي قوم إن العذاب قد أظلكم وزوال أمركم قد دنا فمن أراد منكم دارا جديدا وحمى شديدا وسفرا بعيدا فليلحق بعمان ومن أراد منكم الخمر والخمير والعصير وكلمة - قال إبراهيم لم أحفظها - فليلحق ببصرى ومن أراد الراسخات في الوحل المطعمات في المحل المغممات في القحل فليلحق بيثرب ذات نخل فأطاعه قومه فخرج أهل عمان إلى عمان وخرجت غسان إلى بصرى وخرجت الأوس والخزرج وبنو عثمان إلى يثرب ذات النخل قال فأتوا على بطن مر فقال بنو عثمان هذا مكان صالح لا نبغي به بدلا فأقاموا به فسموا لذلك خزاعة لانهم انخزعوا من أصحابهم واستقامت الأوس والخزرج حتى نزلوا المدينة وتوجه أهل عمان إلى عمان وتوجهت غسان إلى بصرى هذا أثر غريب عجيب وهذا الكاهن هو عمرو بن عامر أحد رؤساء اليمن وكبراء سبأ وكهانهم وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في أول السيرة ما كان من أمر عمرو بن عامر الذي كان أول من خرج من بلاد اليمن بسبب استشعاره بإرسال العرم عليهم فقال: وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن فيما حدثني به أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عنهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك فاعتزم على النقلة عن اليمن وكاد قومه فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له لطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيها أصغر ولدي وعرض أمواله فقال أشراف من أشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله وانتقل هو في ولده وولد ولده وقالت الأسد لا نتخلف عن عمرو بن عامر فباعوا أموالهم وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان فحاربتهم عك وكانت حربهم سجالا ففي ذلك يقول عباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه:
وعك بن عدنان الذين تلعبوا * بغسان حتى طردوا كل مطرد وهذا البيت من قصيدة له قال ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ونزلت الأوس والخزرج يثرب ونزلت خزاعة مرا ونزلت أزد السراة السراة ونزلت أزد عمان عمان ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه وفي ذلك أنزل الله عز وجل هذه الآيات وقد ذكر السدي قصة عمرو بن عامر بنحو مما ذكر محمد بن إسحاق إلا أنه قال فأمر ابن أخيه مكان ابنه - إلى قوله - فباع ماله وارتحل بأهله فتفرقوا رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد أخبرنا سلمة عن ابن إسحاق قال يزعمون أن عمرو بن عامر وهو عم القوم كان كاهنا فرأى في كهانته أن قومه سيمزقون ويباعد بين أسفارهم فقال لهم إني قد علمت أنكم ستمزقون فمن كان منكم ذا هم بعيد وحمل شديد ومزاد حديد فليلحق بكأس أو كرود قال فكانت وادعة بن عمرو ومن كان منكم ذا هم مدن وأمر دعن فليلحق بأرض شن فكانت عوف بن عمرو هم الذين يقال لهم بارق ومن كان منكم يريد عيشا آنيا وحرما آمنا فليلحق بالأرزين فكانت خزاعة ومن كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطمعات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج وهما هذان الحيان من الأنصار ومن كان منكم يريد خمرا وخميرا وذهبا وحريرا وملكا وتأميرا فليلحق بكوثى وبصرى فكانت غسان بنو جفنة ملوك الشام ومن كان منهم بالعراق قال ابن إسحاق وقد سمعت بعض أهل