يدي عذاب شديد (46) يقول تبارك وتعالى قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون (إنما أعظكم بواحدة) أي إنما آمركم بواحدة وهي (أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) أي تقوموا قياما خالصا لله عز وجل من غير هوى ولا عصبية فيسأل بعضكم بعضا هل بمحمد من جنون فينصح بعضكم بعضا (ثم تتفكروا) أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ويتفكر في ذلك ولهذا قال تعالى: (أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) هذا معنى ما ذكره مجاهد ومحمد بن كعب والسدي وقتادة وغيرهم وهذا هو المراد من الآية فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " أعطيت ثلاثا لم يعطهن أحد قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم ولم تحل لمن قبلي كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها وبعثت إلى كل أحمر وأسود وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أتيمم بالصعيد وأصلي فيها حيث أدركتني الصلاة قال الله تعالى: (أن تقوموا لله مثنى وفرادى) وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي " فهو حديث ضعيف الاسناد وتفسير الآية بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها والله أعلم.
وقوله تعالى: (إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال البخاري عندها حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد ابن حازم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش فقالوا مالك؟ فقال " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني " قالوا بلى! قال صلى الله عليه وسلم " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا " فأنزل الله عز وجل (تبت يدا أبي لهب وتب) وقد تقدم عند قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين). وقال الإمام أحمد حدثني أبو نعيم حدثنا بشير بن المهاجر حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث مرات فقال: " أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال صلى الله عليه وسلم " إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم فبينما هو كذلك أبصر العدو فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أوتيتم أيها الناس أوتيتم " ثلاث مرات وبهذا الاسناد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني " تفرد به الإمام أحمد في مسنده.
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو على كل شئ شهيد (47) قل إن ربى يقذف بالحق علم الغيوب (48) قل جاء الحق وما يبدئ البطل وما يعيد (49) قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب (50) يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين (ما سألتكم من أجر فهو لكم) أي لا أريد منكم جعلا ولا عطاء على أداء رسالة الله عز وجل إليكم ونصحي إياكم وأمركم بعبادة الله (إن أجري إلا على الله) أي إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله (وهو على كل شئ شهيد) أي عالم بجميع الأمور بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله إياي إليكم وما أنتم عليه. وقوله عز وجل: (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب) كقوله تعالى: (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) أو يرسل الملك إلى من يشاء من عباده من أهل الأرض وهو علام الغيوب فلا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض. وقوله تبارك وتعالى (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي جاء الحق من الله والشرع العظيم وذهب الباطل زهق واضمحل كقوله