وقال تعالى (وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) وقال الإمام أحمد حدثنا حجاج حدثنا ليث حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " أخرجاه من حديث الليث. وقد قال الله تعالى (إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) أي إن في هذا القرآن لرحمة أي بيانا للحق وإزاحة للباطل وذكرى بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون.
ثم قال تعالى: (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) أي هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني فلو كنت كاذبا عليه لانتقم مني كما قال تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات (يعلم ما في السماوات والأرض) أي لا تخفى عليه خافية (والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) أي يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا ويقابلهم على ما صنعوا في تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل فسيجزيهم على ذلك إنه حكيم عليم.
ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون (53) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين (54) يوم يغشهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون (55) يقول تعالى: مخبرا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم وبأس الله أن يحل عليهم كما قال تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) وقال ههنا (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) أي لولا ما حتم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب قريبا سريعا كما استعجلوه ثم قال (وليأتينهم بغتة) أي فجأة (وهم لا يشعرون * يستعجلونك بالعذاب وأن جهنم لمحيطة بالكافرين) أي يستعجلون العذاب وهو واقع بهم لا محالة قال شعبة عن سماك عن عكرمة قال في قوله (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) قال البحر وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين. حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد حدثنا أبي عن مجاهد عن الشعبي أنه سمع ابن عباس يقول (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عاصم أخبرنا عبد الله بن أمية حدثني محمد بن حيي أخبرني صفوان بن يعلى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البحر هو جهنم " قالوا ليعلى فقال: ألا ترون أن الله تعالى يقول (نارا أحاط بهم سرادقها) قال لا والذي نفس يعلى بيده لا أدخلها أبدا حتى أعرض على الله ولا يصيبني منها قطرة حتى أعرض على الله تعالى هذا تفسير غريب وحديث غريب جدا والله أعلم ثم قال عز وجل (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) كقوله تعالى (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) وقال تعالى (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) وقال تعالى (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) الآية فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم وهذا أبلغ في العذاب الحسي وقوله تعالى (ونقول ذوقوا ما كنتم تعملون) تهديد وتقريع وتوبيخ وهذا عذاب معنوي على النفوس كقوله تعالى: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ خلقناه بقدر) وقال تعالى (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * هذه النار التي كنتم به تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون * اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون).