ومفاتيح الكنوز الثقيلة وفرعون ملك مصر في زمان موسى ووزيره هامان القبطيان الكافران بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم (فكلا أخذنا بذنبه) أي كانت عقوبته بما يناسبه (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) وهم عاد وذلك أنهم قالوا من أشد منا قوة فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد عاتية شديدة الهبوب جدا تحمل عليهم حصباء الأرض فتلقيها عليهم وتقتلعهم من الأرض فترفع الرجل منهم من الأرض إلى عنان السماء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى بدنا بلا رأس كأنهم أعجاز نخل منقعر (ومنهم من أخذته الصيحة) وهم ثمود قامت عليهم الحجة وظهرت لهم الدلالة من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة مثل ما سألوا سواء بسواء ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم وكفرهم وتهددوا نبي الله صالحا ومن آمن معه وتوعدوهم بأن يخرجوهم ويرجموهم فجاءتهم صيحة أخمدت الأصوات منهم والحركات (ومنهم من خسفنا به الأرض) وهو قارون الذي طغى وبغى وعتا وعصى الرب الاعلى ومشى في الأرض مرحا وفرح ومرح وتاه بنفسه وأعتقد أنه أفضل من غيره واختال في مشيته فخسف الله به وبداره الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة (ومنهم من أغرقنا) وهو فرعون ووزيره هامان وجنودهما عن آخرهم أغرقوا في صبيحة واحدة فلم ينج منهم مخبر (وما كان الله ليظلمهم) أي فيما فعل بهم (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) أي إنما فعل ذلك بهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم وهذا الذي ذكرناه ظاهر سياق الآية وهو من باب اللف والنشر وهو أنه ذكر الأمم المكذبة ثم قال (فكلا أخذنا بذنبه) أي من هؤلاء المذكورين وإنما نبهت على هذا لأنه قد روى ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) قال قوم لوط (ومنهم من أغرقنا) قال قوم نوح وهذا منقطع عن ابن عباس فإن ابن جريج لم يدركه.
ثم قد ذكر الله في هذه السورة إهلاك قوم نوح بالطوفان وقوم لوط بإنزال الرجز من السماء وأطال السياق والفصل بين ذلك وبين هذا السياق وقال قتادة (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) قال قوم لوط (ومنهم من أخذته الصيحة) قوم شعيب وهذا بعيد أيضا لما تقدم والله أعلم.
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون (41) إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم (42) وتلك الأمثل نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (43) هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله يرجون نصرهم ورزقهم ويتمسكون بهم في الشدائد فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت فإنه لا يجدي عنه شيئا فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع فإنه متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها ثم قال تعالى متوعدا لمن عبد غيره وأشرك به أنه تعالى يعلم ما هم عليه من الأعمال ويعلم ما يشركون به من الأنداد وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ثم قال تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) أي وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه قال الإمام أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى حدثني ابن لهيعة عن أبي قبيل عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: عقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه حيث يقول الله تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثنا أبي حدثنا ابن سنان عن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني لاني سمعت الله تعالى يقول (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون).