باطلا لم تصدقوهم " (قلت) وأبو نملة هذا هو عمارة وقيل عمار وقيل عمرو بن معاذ بن زرارة الأنصاري رضي الله عنه ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان لأنه قد دخلت تحريف وتبديل وتغيير وتأويل وما أقل الصدق فيه ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا. قال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عاصم أخبرنا سفيان عن سليمان بن عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال وقال البخاري حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كيف تسألوا أهل الكتاب عن شئ وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرأونه محضا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟
لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم وقال البخاري وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب (قلت) معناه أنه يقع منه الكذب لغة من غير قصد لأنه يحدث عن صحف هو يحسن بها الظن وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة لانهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة ومع ذلك وقرب العهد وضعت أحاديث كثيرة في هذه الأمة لا يعلمها إلا الله عز وجل ومن منحه الله تعالى علما بذلك كل بحسبه ولله الحمد والمنة.
وكذلك أنزلنا إليك الكتب فالذين آتيناهم الكتب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون (47) وما كنت تتلو من قبله من كتب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون (48) بل هو آيات بينت في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون (49) قال ابن جرير يقول الله تعالى كما أنزلنا الكتاب على من قبلك يا محمد من الرسل كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب وهذا الذي قاله حسن ومناسبته وارتباطه جيد وقوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) أي الذين أخذوه فتلوه حق تلاوته من أحبارهم العلماء الأذكياء كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأشباههما وقوله تعالى (ومن هؤلاء من يؤمن به) يعني العرب من قريش وغيرهم (وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) أي ما يكذب بها ويجحد حقها إلا من يستر الحق بالباطل. ويغطي ضوء الشمس بالوصائل وهيهات ثم قال تعالى (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) أي قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب وهكذا صفته في الكتب المتقدمة كما قال تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) الآية وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده بل كان له كتاب يكتبون بين يده الوحي والرسائل إلى الأقاليم.
ومن زعم من متأخري الفقهاء كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري: ثم أخذ فكتب. وهذه محمولة على الرواية الأخرى: ثم أمر فكتب. ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال يقول الباجي وتبرؤا منه وأنشدوا في ذلك أقوالا وخطبوا به في محافلهم. وإنما أراد الرجل - أعني الباجي - فيما يظهر عنه أنه كتب ذلك على وجه المعجزة لا أنه كان يحسن الكتابة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبارا عن الدجال " مكتوب بين عينيه كافر " وفي رواية " ك ف ر يقرؤها كل مؤمن " وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى تعلم